كنت أتكلم ذات مرة مع أحد الأشخاص وأثناء حوارنا ذَكَرَ كلمة «تشيكوسلوفاكيا»، واستغربت لما عرفت أنه يظن أن هذه الدولة ما زالت قائمة، فهذه الدولة الأوروبية اختفت من الخرائط الجغرافية قبل أكثر من عشرين سنة!

في عام 1993م انقسمت تشيكوسلوفاكيا سِلمياً إلى دولتين، الأولى جمهورية التشيك والثانية سلوفاكيا، وهذا كثيراً ما يكون مصير الدول التي تمتلئ بالأعراق والأديان، فيرغب كل عِرق أن ينفصل وأن يستقل بدولة خاصة، فالآن دولة التشيك أكبر أعراقها هو عِرق التشيكيين ودولة سلوفاكيا أكثر أهلها هم السلوفاكيون، ورغم أن اللغة التشيكية واللغة السلوفاكية متشابهتان جداً وكلا الشعبين أكثرهم على الكاثوليكية إلا أن هذا لم يحِل دون رغبتهما في الانفصال، وهذا أيضاً من أسباب انقسام يوغسلافيا التي اكتظَّت بأنواعٍ عديدة من الأعراق والأديان، فهذه الدولة أُنشِئت عام 1918م ولكن تخلّلتها توترات عِرقية ودينية عشرات السنين، فمن ناحية الأعراق كانت يوغسلافيا مكونة من الصربيين والكرواتيين والسلوفينيين والبوسنيين والألبانيين والمقدونيين وغيرهم الكثير، ومن جهة الدِّين كانت تحوي أكثر من 40 ديناً منها الإسلام والكاثوليكية واليهودية والبروتستانتية، وتدريجياً تفككت هذه الدولة وبدأ هذا التفكك منذ عام 1991م عندما أعلنت سلوفينيا وكرواتيا استقلالهما من الدولة الأم (يوغوسلافيا)، ثم السنة التي تلتها غادرتهم مقدونيا ثم البوسنة والهرسك، وظلت هذه الخلطات العِرقية والدينية المتجاورة تغلي حتى طفح القِدر وانفجرت هذه التوترات على هيئة حروب أهلية طاحنة من أبرزها مذبحة سربرنيشا عام 1995م والتي قَتل فيها الصربيون آلاف المسلمين العُزَّل وأطفالهم، وانتهت الحرب وأخذت الدول التي كانت تُشكِّل يوغسلافيا تستقل واحدة تلو الأخرى.

هذا هو نفس المصير الذي واجه الاتحاد السوفيتي، فلما ظهرت الثورة الشيوعية على يد لينين وزاد نفوذهم أخذوا يضمّون الدول المحيطة بروسيا وسمّوا هذه الدولة الجديدة الاتحاد السوفيتي والتي صارت أكبر دولة في العالم وحكمت شعوبها -بكل أديانهم وأعراقهم- بالحديد والنار وبنفس الوحشية الشيوعية المعروفة، وكلما حاولت دولة أن تستقل أُجبِرَت بالقوة وبسياسات الاغتيال والعنف أن تظل جزءاً من الاتحاد، وظلت عوامل كثيرة تنخر في أصل هذه الدولة حتى تفككت عام 1991م بعد 70 سنة من إنشائها.

أيضاً من الدول التي يحتار فيها البعض هي بريطانيا، فما هو الفرق بين بريطانيا وانجلترا؟ وما هي المملكة المتحدة؟ هل كل الثلاث تعني نفس الشيء؟ توجد فروقات. هناك جزيرة اسمها بريطانيا العظمى. هذه الجزيرة مكوّنة من ثلاث دول: انجلترا وهي أكبرها وأشهرها وهي التي تحوي لندن ومقر الحكومة البريطانية، والدولتان الثانيتان هما اسكتلندا وعاصمتها إدنبره، وويلز وعاصمتها كارديف.

إلى غرب هذه الجزيرة نجد الجزيرة الإيرلندية، وتحوي منطقتين: خمَس أسداس الجزيرة مكوّنة من الجمهورية الإيرلندية وعاصمتها دَبْلِن وهي دولة مستقلة، والسُّدس الأخير يحوي إيرلندا الشمالية وعاصمتها بلفاست.

كلمة «المملكة المتحدة» تعني إنجلترا واسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية. وفي نفس القارة هناك الدولة المعروفة سويسرا، لكن هل تعلم أن هذه الدولة ليس لها لغتها الخاصة؟ سويسرا خليط من الأعراق واللغات، فأكثر أهلها –بنسبة الثلثين – يتكلمون الألمانية، والساكنون في غربها يتكلمون الفرنسية (قرابة الربع)، وفي الجنوب ما نسبته قرابة العُشر من السويسريين لغتهم الإيطالية، وسويسرا مثال ناجح لاندماج لغات وشعوب مختلفة تحت مظلة واحدة، ولا ينطبق هذا على محطتنا الأخيرة في هذه المقالة وهي بلجيكا، فهي تشابه سويسرا في أنه ليس لها لغتها الخاصة بل أهلها يتكلمون الهولندية والفرنسية ولغات أخرى، ولم يتّفق الهولنديون والفرنسيون فيها ولطالما أرادوا أن تنقسم الدولة إلى قسمين مستقلين، وربما تنضم كل منهما إلى فرنسا وهولندا الأمَّين. لنبقَ دائماً على اطّلاع.