Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 07/09/2013 Issue 14954 14954 السبت 01 ذو القعدة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

متابعة

ورحلَ الشيخُ الجليلُ الإداريُّ المحنَّك

رجوع

في مساء يوم الخميس 22 شوال 1434هـ فُجعنا بنبأ وفاة معالي الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الملك بن عبد الله الدهيش الرئيس العام لتعليم البنات سابقاً، وقد آلمني الخبر كثيراً وأقضَّ مضجعي، وما كان لي من عزاء وسلوى إلا أن وفاتَه كانت في ليلة جمعة، وموعدَ الصلاة عليه بعد صلاة الجمعة في المسجد الحرام في مكة المكرمة، ولعلها أولى بشائر الخير لمعاليه من رب رحيم كريم.

كما زاد في سلوتي ما أعرفه - ويعرفه الجميع -من سيرة عطرة لمعالي الشيخ رحمه الله، الذي نشأ في بيت علم ، وتولى مناصب قيادية شرعية عمل من خلالها على نشر دين الله وتحكيم شرعه.

كما أن مؤلفاته الشرعية والتاريخية التي تزخر بها المكتبات الإسلامية تعد شاهداً على حرصه على الخير وحبه إياه.

ما أعذب الكلمات التي سمعتها من فيه شخصياً عن تاريخ مكة التي عاش فيها وشاهد نهضتها وتطويرها, وعن تاريخ عمارة المسجد الحرام وتطويره, وعن أحداث أكثر من خمسين حجة أدَّاها تقبلها الله منه. وما تعلمناه من معاليه من علم شرعي وتاريخي قد يصعب جمعه على بعض الناس, خاصة حينما يسرده معاليه بأسلوبه المعهود, وحديثه الشيق الذي يعد مدرسة في مجاله.

تعلمنا من معاليه الكرم والوفاء والتقدير وإنزال الناس منازلهم؛ فمرة دخل عليه أحد مسؤولي تعليم البنات فقال له: يا شيخ رأيتك البارحة في المنام تهديني قلماً فاخراً، فما كان من الشيخ إلا أن فتح درج المكتب وأخرج قلماً مطلياً بالذهب ومغلفاً بحجر المرمر قد خصصه للاستعمال الشخصي وقال له: قد تحققت رؤياك، وهذا القلم هدية لك.

يدخل عليه العدد الكبير من الضعفاء المحتاجين الذين اضطرتهم ظروف الحياة لسؤال معاليه، فما كان يرد منهم سائلاً، بل كان الجميع يخرج من عنده مجبور الخاطر.

أقيمت حفلة معايدة لمنسوبي جهاز تعليم البنات، وحين اشتكى له متعهد الحفلة بأن استحقاقه المادي لم يُصرف لتأخر بعض الإجراءات الإدارية؛ أمر معاليه بحفظ المعاملة، وأخرج من درج مكتبه (دفتر الشيكات الخاص به) ودفع قيمة الحفلة للمتعهد من جيبه الخاص، ولسان حاله يقول: (إن موظفي تعليم البنات يستحقون أن أكرمهم).

تعلمنا منه الحنكة والتروي، وما أكثر ما كان يردِّد عبارة (لقضاء الحوائج أوقات).

أحببنا معه العمل والمبادرة وعلو الهمة والنفس وسرعة الإنجاز، فكثيراً ما كان يردد: (طالما أن هذا نظيف).. ويشير إلى جيبه (فلا تهتم بالأخطاء غير المقصودة).

وجَّه شفاعته لمن يثق في أمره من موظفين ومعلمات، إذ كان يساهم في تحقيق مطالبهم وخاصة ما يتعلق بموضوع النقل والترقيات؛ تقديراً منه للجوانب الإنسانية ولروح النظام. وقد شهدتُ أحد الموظفين تدمع عيناه حينما طلب من معاليه حل مشكلة نقله بعد الترقية ليعود إلى مدينته التي كان فيها ليخدم أباه المعاق كبير السن، فخطَّ معاليه على طلب النقل توجيهاً يثلج الصدر للمسؤول في المدينة تلك؛ بتمكين الموظف من العمل عاجلاً في مدينته، وإبلاغ الإدارة التي ترقى الموظف إليها؛ بنسخة من قراره هذا، والعمل على سلخ الوظيفة إلى الإدارة المستفيدة.

تعلمنا من معاليه القوة في الحق، وما أكثر تلك المواقف والشواهد, والتي منها عتابه لبعضَ المسؤولين والمسؤولات في تعليم البنات؛ بضرورة فتح الأبواب للمراجعين, وقضاء حوائجهم وحل مشكلاتهم وبذل قصارى الجهد لراحتهم، مردداً توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله ملك المملكة في ذلك الوقت؛ بأن راحة المواطن من الأولويات.

أصدر كثيراً من القرارات التي تسهم في تحقيق التنمية المستدامة وخاصة تنمية الموارد البشرية، مخالفاً - وعلى مسؤوليته الشخصية - في ذلك بعض الأنظمة والقوانين؛ لإدراكه الكامل بأن النتيجة تصب في مصلحة المواطن والوطن.

أخذ على عاتقه استكمال تطوير جهاز تعليم البنات وإلباسه حلة جديدة تتفق مع خصوصيته, وتتسم بأسلوب الإدارة الحديثة ومعاييرها التطويرية.

أَوْلى مصلحة الطالبة رعاية خاصة؛ فحرص على تهيئة الظروف كاملة لتقديم بيئة تعليمية تعلّمية مناسبة، وقد حضرتُ إلزامه المطابع المتعاقد معها لطباعة الكتب الدراسية بإيقاف طباعة أية منتجات أخرى عدا الكتب الدراسية مستعيناً في ذلك بالجهات ذات العلاقة ليضمن وصول الكتب في وقتها مع بداية العام الدراسي إلى أيدي الطالبات.

إن فترة رئاسة معاليه لجهاز تعليم البنات تستحق أن تُكتب لحظاتها بماء الذهب؛ مع الاحتفاظ بحقوق من سبقه من المشايخ الفضلاء وجهودهم في مجال تأسيس جهاز تعليم البنات وتطويره.

كانت تلك خاطرة جادت بها ذاكرتي عن هذا الرجل العظيم، ولو أردت أن أوفيه حقه لكتبت في سيرته صحائف كثيرة.

رحم الله الشيخ رحمة واسعة وجمعنا به في دار كرامته, وألهمنا وذويه الصبر والسلوان، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.

د. عبد اللطيف بن عبد الكريم الشدوخي

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة