Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 09/09/2013 Issue 14956 14956 الأثنين 03 ذو القعدة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

الانتخابات لا تناسبنا فمجتمعنا غير جاهز إلا بعد اكتمال البناء المؤسسي الحديث للحقوق ترعاه الدولة الحديثة.. هذا ما كان يقوله همساً بعض المثقفين أثناء انتخابات الأندية الأدبية قبل سنتين.. الهمس ارتفع تدريجياً وصار بالصحف هذه الأيام بعد آخر تداعيات أزمة هذه الانتخابات..

يرى مثقفون أنه لا يحق لخصوم الإبداع الأدبي المشاركة في انتخابات الأندية الأدبية على غرار ما يقوله بعضهم أن لا حرية في التصويت لأعداء الحرية، وكأن من شروط التصويت الحر ألا يكون حرَّا! إذ يؤكد بعضهم أننا كُنا في غنى عن تلك الأزمات البائسة التي أفرزتها انتخابات الأندية الأدبية وصارت نهشاً للفضائح البائسة تتناقلها الصحف منتجة حالة احتقان لا موجب لها ولا تستحق عناءها.. أضف إلى ذلك ما صدر بالبدايات تلميحاً أو تصريحاً للبعض بأنه سيمنع هذا التيار أو ذاك من المشاركة في النادي إذا فاز تياره بالانتخابات مما ينسف الفكرة الأساسية للمؤسسة الأدبية القائمة على الإبداع والتنوع، بينما طريقة التعيين السابقة كانت ودية وسلسة تراعي حقوق التيارات قدر الإمكان..

أكثر الأزمات بروزاً في تلك الانتخابات هي الرافضة لنتائج التصويت التي لا تزال تداعياتها مستمرة، وآخرها الحكم الذي صدر الأسبوع قبل الماضي ضد نتائج انتخابات نادي أبها الأدبي والقاضي بحل مجلس الإدارة الحالي.. فيما الأزمة لم تنته بعد في نادي الشرقية الأدبي، وكانت قبلها في أدبي الأحساء وأدبي تبوك.. بالمقابل فإن بعض المثقفين المشاركين في الإشراف على فرز الأصوات تألم كثيراً من التشكيك بنزاهة التصويت..

لماذا تحدث هذه الأزمة الانتخابية عند المثقفين؟ فمن بين كل الانتقادات التي وجهت للانتخابات في المؤسسات المختلفة كالبلدية والغرف التجارية لم نسمع تشكيكاً بنزاهة الانتخابات ولا اتهامات بالتزوير، بينما انتخابات الأندية الأدبية ترزح تحت وطأة تشكيكات قوية لها ما يبررها تطلقها أسماء عديدة ذات وزن مهم ثقافي. ربما الإجابة هي بأن المثقفين والأدباء والنقاد حرفتهم الكلمة المتمردة والنقد المستمر.. فعلينا أن نتعود على القسوة والقسوة المضادة في مسيرة الديمقراطية..

بداية الأزمة كانت في تخوف بعض مثقفي التنوير من نتائج الانتخابات حتى لو كانت نزيهة! وتلك مفارقة تفرح الشامتين.. وتفسيرها أن هؤلاء المثقفين يعترفون بنزاهة الانتخابات لكنهم يرونها غير عادلة أو غير نظامية حين اقتحمها أناس لا علاقة لهم بالنشاط الأدبي والثقافي، بل ربما أتوا لعرقلة النشاط الإبداعي.. فالنادي الأدبي ليس مجلساً عاماً بلدياً أو شورياً يفتح للجميع، بل هو مؤسسة متخصصة تُعنى بالأدب والثقافة.. فكافة المؤسسات المتخصصة تضع شروطاً لدخول الانتخابات تناسب تخصصها. لكن الذي حصل في بعض الأندية أن ترشحت أسماء لم يطأ قدمها النادي الأدبي، وقيل إنها عملت تكتلاتها لأهداف غير أدبية.. فإذا كانت الانتخابات وسيلة هدفها أن ينتج منها إدارة تمثل جمهورها، فكيف يتم تمثيلهم بهذه الطريقة عبر عدد ضئيل من خارج النادي عمل تكتلاً وفاز بالأغلبية؟

أساس التخوف عند أولئك المثقفين هو من الذين يأتون بأجندة دعوية متشددة ويتكتلون من أجل خدمة أغراض إيديولوجية متزمتة قد تحرف الأهداف التي من أجلها أنشئت الأندية الأدبية.. أي أنها ضد الإبداع الأدبي وضد الديمقراطية.. وبمعنى آخر هي ضد النادي! حينها -قبل سنتين- نقل بعض وسائل الإعلام أخباراً عن أحد الفائزين بأحد الأندية بأن التيارات المخالفة لن يكون لها مكان بالنادي، وكأن النادي إقطاعية خاصة للفائزين، وهذا يتنافى مباشرة مع كون النادي تحكمه أنظمة تحمي حقوق الجميع، فضلاً عن تصادمه مع طبيعة النشاط الأدبي الإبداعي، ناهيك عن مناقضه للديمقراطية التي وصل بها..

لكن هذا التخوف لم يعد مبرراً، فالتجربة أثبتت أنه في بعض الحالات (وهي حالة واحدة) التي فاز بها تيار معين بالأغلبية الساحقة فإنه لم يستبد - أو لم يستطع أن يستبد- بنشاطات النادي لصالح هذا التيار.. فلا خوف من نتائج الانتخابات مهما كانت نتائجها لأن الممارسات محكومة بالأنظمة والقوانين من خلال مؤسسات إشرافية.. فضلا عن أن المثقفين لن يسمحوا لإدارة غضة أن تلغيهم. وفي كل الأحوال فإن النتائج في أغلب الأندية كانت متنوعة دون احتكار.. فالتخوف كان على ما يبدو استباقاً احترازيا لم يعد له مبرر واقعي.. وتجارب أغلب الأندية كانت ناجحة، فمثلاً انتخابات أدبي الرياض تميزت بالشفافية وسلاسة الإجراءات ولم يعترض عليها أحد وخرج الجميع راضيا حسبما يبدو..

وإذا انتقلنا إلى انزعاج بعضهم من التشكيك في نتائج الانتخابات مما جعلهم يأنفون من الانتخابات ذاتها في هذه المرحلة، أو كما ذُكر صراحة بأن «المثقف السعودي يحتاج إلى الديكتاتورية» حسبما نُشر بالخط العريض في صحيفة الحياة للكاتب المتألق الدكتور علي الموسى. وإذا كان من حق الصحافة أن تجعله بالخط العريض إلا أني لا أظن أنه يقصد الدكتاتورية حرفياً بل مجازاً.. ويبدو أن القصد هو تفضيل طريقة التعيين السابقة التي تشمل التيارات الأدبية والثقافية، وهي غير الدكتاتورية التي يستبد بها تيار واحد على الجميع.

لو نظرنا موضوعياً بشكل شامل للانتخابات في الأندية الأدبية بعموم المملكة مع تقدير المرحلة الزمنية وتقدير طبيعة المثقفين الصعبة القياد فإن التجربة ناجحة بالمجمل، نعم ثمة أزمات حادة وأخطاء وقعت لكنها أخطاء طبيعية تطورنا ولا تدعونا للنكوص.. مثلاً وجود ثغرات في طريقة التصويت والتي أحدث أكبر البلبلة وهي التصويت الإلكتروني فإن حلها سهل جداً، إذا خففنا من أجواء المناكفة والمعاندة بين بعض المثقفين ووكالة الوزارة للشؤون الثقافية وذلك بموافقة الأخيرة على التصويت الورقي فعدد المصوتين في أغلب الأندية ليس كبيراً والتصويت الورقي سيكون يسيراً.

كل البدايات تواجه تحديات وعثرات، فالحل ليس بإلغاء الانتخابات ولا نسف درجة من درجات الديمقراطية، بل في صعود درجة أخرى منها كالطفل الذي يحبو ويتعلم المشي سيتعثر ويسقط ثم يحاول.. الحل ليس في عودته للحبو بل في مواصلة محاولة المشي، فلا خوف عليه إذا كان هناك من يراقبه لحمايته من الانزلاقات الخطرة.. فيجب الدفاع عن بيئة الانتخاب مثل الدفاع عن عملية الانتخاب، لكيلا نقع في مصيدة المثل الروسي: «ليس مهماً من يصوّت المهم من يفرز الأصوات!»

alhebib@yahoo.com

المثقفون السعوديون مع الانتخابات أم ضدها؟
د.عبد الرحمن الحبيب

د.عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة