Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 09/09/2013 Issue 14956 14956 الأثنين 03 ذو القعدة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

من الظواهر اللافتة للنظر بروز كيانات اقتصادية على ضفاف الخليج، تعتمد في نسبة جيدة من مواردها على ثقافة الانعزال التي يعيشها مجتمع الدَّوْلة الأكبر مساحة والأكثر شعبًا في الجزيرة العربيَّة، وعندما نرقب النزوح السعودي إلى الإمارة الخليجيَّة دبي طوال العام، سواء من أجل السياحة أو التسوق أو التجارة، ربَّما نعي مدى استفادة أشقائنا الخليجيين من ثقافة الانغلاق السعوديَّة، الذي تحتاج إلى إعادة نظر..

فالانفتاح أصبح ضرورة إنسانية قبل أن يكون شأنًا تجاريًّا أو سياحيًّا أو وطنيًا، ويظهر وجه الغرابة في الأمر عندما نلاحظ أن السعوديين بمختلف أطيافهم المحافظة يهربون للإمارات الخليجية لأخذ راحة من ضيق الانغلاق الداخلي، فتجدهم ينتشرون في أسواق ومراكز الترفيه وقاعات السينما بالرغم من أنهَّم يدركون حرمتها داخل دائرة الانغلاق المحليَّة.

ارتبط مصطلح (الجيتو) تاريخيًّا باليهود الذين يعيشون طبقًا لحرفية النصوص التوراتية، ويعني الانعزال والعيش داخل دائرة شبه مغلقة، حراسها الأوامر والنواهي التوراتية، وكانت بداياتها أن يعتقدوا أنهَّم شعب الله المختار، وهو ما جعلهم ينغلقون داخل قوقعة دينية مزمنة، لا تعترف بما يفعله الأغيار خارجها، لكنهم في نفس الوقت فتحوا نافذة صغيرة تسمح لليهود بالتعامل مع الأغيار في المحرّمات إذا كانت في مصلحة اليهود..

لا يفرض الدين الإسلامي في جوهره ثقافة الانغلاق على المسلمين، ولم يحدث في تاريخ المسلمين أن تحوّلت النصوص واجتهادات الفقهاء إلى قوانين اجتماعية صارمة، لكن بعض المسلمين بنوا جدراناً من الانغلاق حولهم، وعليه وجب أن أؤكد أن مصطلح (الجيتو) غير مناسب على الإطلاق للتعبير عن ثقافة الانغلاق الذي يعيشها السعودي داخل مجتمعه، وقد حاولت البحث عن صيغة تكون الوصف الأقرب نسبيًّا لوصف الحالة الاجتماعية المختلفة، لكنني فشلت، وفضلت استخدام وصف الانغلاق، بسبب صهر بعض الاجتهادات والتفسيرات الحرفية للنصوص في أن تكون نظامًا اجتماعيًّا صارمًا، يحرسه رجال متدينون..

يعيش السعوديون داخل قوقعة اجتماعية إن صح التعبير منذ زمن طويل، خالية من مظاهر الحياة، وتحرم السياحة في تقاليدها المتعارف عليها، لكنهم يفتحون نوافذ صغيرة داخل بيوتهم لالتقاط الأنفاس من الانغلاق الاجتماعي خارجه، ومثال ذلك أن يُمنع فتح السينما في الأسواق السعوديَّة، لكن الأفراد يشتركون في قنوات مخصصة للأفلام الغربية، ويملكها رجال أعمال سعوديون، كما تحاصر الأسواق بقانون يفرض إغلاق المحلات أثناء الصلوات الخمس لفترات طويلة نسبيًا، ويهربون منه بمختلف أطيافهم بأعداد كثيرة إلى دبي للاستمتاع بالتسوق حيث لا يُفرض إغلاق قسري على المقاهي والمطاعم والأسواق أثناء أداء الصلوات الخمس، ويدخل ذلك في باب الحلال المسموح به، وفي الإحسان أو التعامل مع المسلم على أنَّه كائن عاقل، يستطيع أداء واجباته الدينية تجاه ربه من دون رقيب دنيوي.

تضيف التقاليد السعوديَّة سقفًا على جدران المحرّمات الاجتماعية المستمدّة من حرفية النصوص، عندما أضافت انغلاقًا آخر، ويزيد من الأمر تعقيدًا صبغة تلك التقاليد بصبغة دينية، تجعل منها محرّمًا لا يجوز كسره، ويأتي في مقدمة هذه التقاليد تحريم قيادة المرأة للسيارة، وإضافة خسارة اقتصادية أخرى، بسبب تجويز استقدام السائق الأجنبي ليقود بالزوجة والعائلة في الشوارع، وليقوم بدور رئيس في حياة العائلة السعوديَّة في مفارقة مدهشة.. وربما يستعصي فهم أبعاد هذا التناقض على علماء الاجتماع، وهو قرار انتصر فيه التقليد الاجتماعي على المحرم الديني، الذي لا يُجيز الخلوة غير الشَّرعية بين الرجل والمرأة، لكنه أجازها في مفارقة عجيبة، وذلك لأن قيادة المرأة السعوديَّة لسيارتها أمرٌ غير مستساغ اجتماعيًا.

ما يفعله السعوديون في أنفسهم يتضاد مع تاريخ النظام الاجتماعي في الإسلام، الذي لم يفرض في تاريخه نظامًا اجتماعيًّا محدّدًا يجمع بعض الاجتهادات الفقهية المتطرفة، ثمَّ يقدمها كتشريع اجتماعي عام، مما يجعل منهم مجتمعًا متناقضًا لدرجة كبيرة، هذا بالإضافة إلى بروز ظواهر الخصوصية وتملك وسائل الترفيه الخاصة، مثل أن يكون في المنزل قاعة سينما، أو انتشار تملك الشواطئ الخاصة، والاستراحات والمزارع التي تقدم أيْضًا الخدمات الخاصة، بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية التي أصبحت سببًا للثروات في بلدان مجاورة، لكن الأهم هو حالة النفاق الاجتماعي الذي يعيشها الإنسان السعودي بسبب صرامة الانغلاق، الذي يفسر اختلاف سلوكه بمجرد تجاوزه للحدود، في حين يسمح الدين في أصوله بحريَّة الاختيار للفرد للاجتهاد الذي يراه مناسبًا في حياته العامَّة..

ولئلا تزداد الهوة علينا بالتعجيل في ردم بعض منها قبل أن نصبح مجتمعًا مشوّهًا من الداخل، وعلينا قبل ذلك أن نتوقف عن الاستماع للصوت المتطرف في المجتمع، وإلا أصبحنا مع مرور الوقت منتجين للتطرف، وفي نفس الوقت غرباء يعيشون في عزلة اجتماعيَّة على سطح الكرة الأرضية.

بين الكلمات
ثقافة الانغلاق السعودية وتأثيراتها على اقتصاديات الخليج
عبدالعزيز السماري

عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة