Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 20/09/2013 Issue 14967 14967 الجمعة 14 ذو القعدة 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

نتذكر جميعاً محاكمات صدام حسين وأعوانه؛ وكان على رأسهم علي حسن المجيد المعروف بـ(الكيماوي) الذي كان مسؤولاً إبان الحرب العراقية الإيرانية عن القطاع العسكري في شمال العراق، وكانت التهمة الرئيسة الموجهة له أنه أمر بإلقاء السلاح الكيماوي على قرية حلبجة عام 1988، ومات خمسة آلاف كردي من جراء التسمم بغاز السيانيد.

وقد حكم عليه بالموت وأعدم عام 2010- أي بعد الحادثة المروعة باثنين وعشرين عاماً. لقد طغت ظروف الحرب العراقية الإيرانية على المشهد، ولذلك مرت تلك الجريمة مر الكرام على دوائر السياسة العالمية، وبقيت رهينة الأبحاث والتقارير الاستخباراتية. وما نراه اليوم هو تراجيديا إنسانية تتكرر. في صبيحة يوم 21 أغسطس 2013 عرف العالم أن نظام الحكم في سوريا قذف حي الغوطة بدمشق بسلاحه الكيماوي وقضى على حياة المئات من السكان المدنيين ونشرت صور مروعة لجثث الموتى ولأطفال ينازعون الموت، وصارت المأساة حديث العالم هذه المرة بفضل الإنترنت، واجتهدت الولايات المتحدة في التأكيد على وجود أدلة فاضحة تثبت مسؤولية النظام عن هذه الجريمة، وأنه بذلك تجاوز الخطوط الحمراء، وأن الولايات المتحدة ملتزمة بمعاقبة النظام بضربة عسكرية فعالة تضعف قدرته العسكرية وتمنعه من استخدام السلاح الكيماوي مرة أخرى. وأكدت المعلومات أن عدد الضحايا لا يقل عن ألف وأربعمائة نفس. لكن النظام السوري نفى المسؤولية عن نفسه واتهم المعارضة المسلحة بأنها هي الفاعل وأن السلاح الكيماوي وقع في أيدي الإرهابيين، وسانده حليفه الروسي في ذلك بأن رفض أن يبحث مجلس الأمن هذا الأمر حتى يصدر تقرير المفتشين الدوليين، مشككاً في مصدر السلاح الكيماوي والمسؤول عن إطلاقه. هذا الكر والفر أسهم في امتصاص الصدمة الأولى. وكان لذلك مفعوله. فقد صار تركيز الساسة في الغرب على جدوى الضربة العسكرية وآثارها المحتملة على المشاركين فيها، وبدأت لهجة العقاب السريع تتراجع. في بريطانيا لجأ رئيس وزرائها إلى مجلس العموم ووجد في رفض المجلس لمشاركة بريطانيا في الردع العسكري فرصة للتراجع. وكانت فرصة أيضاً للرئيس الأمريكي كي يطلب هو أيضاً بدوره من الكونجرس الأمريكي تفويضاً بتوجيه الضربة الرادعة. وعندما وصل التردد إلى آخر مداه، ولم يبق إلا حفظ الوجه للتخلي عن تنفيذ الضربة العقابية المتوعد بها، برزت روسيا باقتراح تدرك أنه سيفهم كرد منطقي على الوعيد الأمريكي. لأنه إذا تم التخلص من السلاح الكيماوي -كما ينص الاقتراح - لم يعد هناك ما يوجب الردع. وهكذا ترتاح أمريكا لزوال السبب الذي من أجله أخذت أهبتها للضربة العسكرية. ويبدو أن كلاً من الولايات المتحدة وروسيا قد اتفقتا - كما أعلن يوم السبت 14 سبتمبر - على خطة لتنفيذ الاقتراح الروسي من أربع مراحل تنتهي في منتصف عام 2014 بالتخلص من مخزون اسلاح الكيماوي. إلا أن منطق هذا الاتفاق لم يكن منطقياً في نظر المعارضة السورية الثائرة والدول التي تقف في صف الشعب السوري، إذ ترى فيه اختزالاً لمأساة هذا الشعب في قضية استخدام السلاح الكيماوي، ومن ثم فإنه يحول الاهتمام ويصرف الأنظار عن الأسلحة الفتاكة الأخرى التي يستخدمها النظام الحاكم لتدمير المدن وقتل السكان. أما النظام الحاكم الذي قيد في البداية قبوله للاقتراح الروسي بشرط إلغاء أمريكا خطتها واستعداداتها العسكرية، فقد رحب فوراً بالاتفاق وأعلن أنه يمثل انتصاراً له لسبب ظاهر، هو أنه يعطيه الوقت الكافي لمماطلات أخرى بشأن السلاح الكيماوي أو إعادة تخزينه في مواقع أخرى غير معروفة لاستخبارات أمريكا، والاستمرار في حرب التدمير والإبادة بأسلحته الفتاكة الأخرى. صحيح أن الاتفاق يتضمن اللجوء إلى مجلس الأمن لاتخاذ قرار تحت الفصل السابع في حال عدم الالتزام، مما يوحي بالحذر من الوقوع في فخ المماطلة، إلا أن الجانب الأمريكي ليس في عجلة من أمره، لأن المهم هو أنه تخفف من الضغط الأخلاقي باتجاه الضربة الرادعة، وسيمضي بقية الوقت مع الطرف الروسي في التحضير لمؤتمر جنيف 2، الذي يرى فيه الروس وحكام سوريا مخرجاً من الحرب التي تهدد وجود النظام، ومن ثم الخروج بحل دبلوماسي تشارك فيه جميع الأطراف، ويحفظ ماء الوجه - هذه المرة ماء وجه الروس، لكونهم حافظوا على حليفهم، وحرموا المعارضة من تحقيق هدفهم.

إن سريان الأمور على هذا النحو لا يمثل خذلاناً لثوار سوريا الذين لا يقرون اختزال القوة الغاشمة للنظام في السلاح الكيماوي فقط، بل هو أكثر من ذلك. إنه يمثل نكسة عربية كبرى لا تقل فداحة عن نكسة عام 1967. لماذا؟

أولاً: لأنه يعني سلخ سوريا من فضائها العربي الصميم، ويضعها ضمن دائرة النفوذ الإيراني الذي يمتد من أواسط آسيا حتى ضاحية بيروت الجنوبية - تماماً كما فقدنا أراضي الضفة الغربية وسيناء والجولان إثر هزيمة 1967، واستعدنا بعضها بعد حرب 1973.

ثانياً: لأنه يعني تعاظم النفوذ الروسي في الدول الواقعة شمال الجزيرة العربية من خلال تقديم العون العسكري والمادي والحماية للدول المتحالفة مع روسيا وتوجيه سياساتها - تماماً كما عظم النفوذ الأمريكي بعد هزيمة 67 وإبرام معاهدات الصلح بين إسرائيل وكل من مصر والأردن.

ثالثاً: لأنه يهمش دور العرب تهميشاً مهيناً ويزيدهم ضعفاً إلى ضعف ما دامت جامعة الدول العربية - وهي المتحدثة باسم جميع الدول العربية - تكتفي ببيانات الشجب والمواقف المتقلبة بحسب اتجاه الريح. بل ماذا يبقى للعرب من قوة، إذا كانت مواقفهم من مأساة الشعب السوري مختلفة أو متباينة ما بين داعم ومناصر لهذا الشعب مثل دول مجلس التعاون، ومصادق للنظام الحاكم في سوريا مثل حكومتي العراق ولبنان، وسلبي أو غامض مثل حكومتي مصر والجزائر، ومنشغل بنفسه مثل اليمن وليبيا؟ بل إن العرب اليوم أضعف مما كانوا عليه بعد نكسة 67 التي توحدت مواقفهم بعدها، وإن كان لأمد غير طويل - كما هو معلوم.

لذلك يتساءل كل محب لسوريا بقلق بالغ: ما الذي يمكن فعله لكي لا يتوزع دم الشعب السوري بين قبائل مؤتمر جنيف؟

-- مثلاً أن تشكل الدول الخليجية والائتلاف السوري وتركيا- بما تملكه من ثقل اقتصادي ودبلوماسي وأخلاقي- مجموعة ضغط متماسكة تقوم بالضغط القوي المتواصل على الدول ذات النفوذ من أجل إضعاف قوة الإبادة التي يملكها النظام الحاكم في سوريا من خلال دعم غير محدود للجيش الحر بالعتاد والأسلحة المتطورة التي يواجه بها طائرات ومدرعات النظام ويهزمه.

-- وأن تقوم هذه المجموعة بدعم قوة الجيش الحر من خلال توفير التمويل اللازم لتجنيد وتدريب متطوعين تحت لواء الجيش الحر. ولا بد أنه يوجد عشرات الآلاف المستعدون لذلك من مدنيين وعسكريين، وقد أفصح الأردن مؤخراً أن أكثر من ألفي ضابط سوري منشق لجأوا إليه منذ بداية الثورة. فالذين يقاتلون تحت إمرة النظام ليسوا من جنوده وشبيحته فحسب، بل منهم عراقيون وإيرانيون ومجندو حزب الله.

-- وأن تعمل هذه المجموعة على حشد القوى المدنية وإقناع الحكومات في الدول العربية المترددة أو السلبية للانضمام إلى صف الدول الداعمة للشعب السوري من أجل الحيلولة دون إذلال الشعب السوري بسيطرة نظام طائفي أو تكوين نظام هجين ضعيف أو تفكيك عرى وحدته، سواء من خلال مقررات مؤتمر جنيف أو تعليق الوضع القائم، ومن ثم إذلال العرب مرة أخرى.

-- وأن تعمل هذه المجموعة مع غيرها من دول صديقة على الملاحقة القانونية الملحة لمرتكبي جريمة القتل بالسلاح الكيماوي في غوطة دمشق، بصرف النظر عما ينتهي إليه اتفاق التخلص من مخزون هذا السلاح، حتى لا يشعر المجرم - وهو يرى سيف المحكمة الجنائية الدولية مصلتاً فوق رأسه- بأنه آمن من العقاب.

هذا غيض من فيض تساؤلات تنشد للشعب السوري الحرية والأمان والحياة الكريمة، ولسوريا العزيزة الوحدة والعودة إلى جسم العروبة لتكون قلبها النابض.

هل ينجو بشار (الكيماوي) ويذل العرب مرة أخرى؟
د. عثمان عبدالعزيز الربيعة

د. عثمان عبدالعزيز الربيعة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة