Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 20/09/2013 Issue 14967 14967 الجمعة 14 ذو القعدة 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

أحياناً تفاجأ بمشهد حقيقي متكامل الفصول متقن الأداء وكأنك أمام عمل فني مسرحي بامتياز.. يوم الاثنين الماضي وعند الساعة الحادية عشرة تماماً كنت في بهو وزارة التربية والتعليم، وإذ بالناس يركضون .. الرجال والنساء، أمن الوزارة “السكيوريتي” وعدد من رجال الأمن العام لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة وبرتب عسكرية متدنية، يهبّون مسرعين خلف شاب يقفز الأرصفة ويتعدّى الحواجز البشرية بعد أن تجاوز الأبواب الداخلية مسرعاً تجاه الباب الخارجي متوجهاً إلى الشارع العام.. استنفار كامل، وهمس وتساؤل من قِبل أمثالي الذين ظلوا مسمّرين في أماكنهم يرقبون المشهد بكل تفاصيله.. عشر دقائق أو يزيد يعود رجال الأمن “السكيوريتي “ومن خلفهم الكل ؛ النساء اللاتي يقارب عددهن العشرين امرأة أو يزيد وسط الرجال الكُثر ومن أعمار متباينة وبهيئات مختلفة، وتأتي سيارة الأمن العام ويُقتاد شاب مزِّقت ثيابه ومعه آخر ملثم يلتزم الصمت المطبق ويجيد فن ضبط النفس في مثل هذه المواقف الصعبة.. يقف الكل عند مؤخرة السيارة التي أودع فيها الشابان، والنساء يعترضن قبل الرجال على هذه الحال، ويطالبن - وهنا يكررن “بيض الله وجهك”- بإنزال الشابين واقتياد من كان السبب طبعاً - من وجهة نظرهن - في كل ما حدث!!، والشرارة الأولى - كما ينقل لي من شاهد البدايات - أنّ جمعاً من الزميلات لديهن مشكلة ما، وحضرنَ منذ الصباح الباكر لمقر وزارة التربية والتعليم، والتقين بأحد كبار المسئولين، وكان يتحدث إلى هؤلاء الأخوات ويحاول جهده إقناعهن بما لدى الوزارة من حلول وتعليمات، وحصل مشادة كلامية بين الطرفين، في الوقت الذي كانت إحداهن تمسك بجوالها مما دفع رجل الأمن أخذ الجوال منها عنوة ، الأمر الذي جعل الأخت ترفع صوتها طالبة إعادة جوالها لها، ومن بين الحضور ووسط هذا الجمع هبّ هذا الشاب واستطاع التقاط الجوال من يد السكيوريتي والهروب به، وصار المشهد الذي عرضت لجزء منه أعلاه.

تفاصيل كثيرة ليس مهماً إيرادها هنا، ولكنني أسوق طرفاً مما رأيت، ليكون هذا الحدث بمثابة المدخل للحديث عن أمور أحسب أنها هامة ومفصلية في مسيرة التربية والتعليم السعودي.

إنّ ترهُّل الجهاز الوزاري، وتعدُّد المسئوليات التربوية والتعليمية والإدارية، واتساع الرقعة الجغرافية، وتنوُّع مستويات ومؤهلات ومدارك المنتسبين لهذا القطاع التنموي الرئيس والهام، والذي يعوّل عليه بناء عقلية الجيل وتنمية مهاراتهم وقدراتهم المختلفة.. كل هذه الأسباب وغيرها كثير ولّدت سيلاً من الإخفاقات والتعرُّجات والترهُّلات في التربية والتعليم، الأمر الذي جعل خادم الحرمين الشريفين يعلن بنفسه عن برنامج خاص لتطوير التعليم العام يشرف بحمل اسمه وبدعمه اللا محدود له مادياً ومعنوياً، ومع ذلك كان وما زال حتى هذه اللحظة، يتقازم وللأسف الشديد أمام واقع تربوي وتعليمي صعب وحرج جداً، وإذا لم يتدارك الأمر فسيكون الثمن باهظاً لا سمح الله.. ومع إيماني الجازم بأنّ المسئولية تقع بصورة مباشرة على الوزارة ذات العلاقة، إلاّ أنّ المالية والخدمة المدنية شركاء في تبعات ما يحدث بخارطتنا التعليمية.

قصص وحكايات تحدث في الوزارة “المركز” وإدارات التربية والتعليم “ الطرفيات” هذه الأيام، تظن معها أنك لست في عهد الخير والبركة والنماء عهد خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز، ويساورك الشك بأنّ ما يمر بين عينيك وتسمعه بأذنيك مجرّد أضغاث أحلام وكابوس مزعج لا يمكن أن يكون في المملكة العربية السعودية يوماً ما.

إننا بحاجة إلى حل جذري وعاجل، من أجل احتواء وعدم تكرر مثل هذه الأحداث التي تدمي القلب، وتشعر بتأزم الأمر وتؤذن بما لا تحمد عقباه.

لك أخي الكريم أن تسأل نفسك : ما الذي اضطر هؤلاء النسوة الحضور بأنفسهن لمقر الوزارة؟، ولن أتركك تفكر كثيراً، فقد كفّتنا أحداهن العناء حين سأله رجل الأمن قائلاً “ خلاص ما أخذت حقك - يقصد الجوال - يله أمشي من هنا، ردّت أمام الكل وبصوت سمعه من حولها : لو أنني أخذت حقي ما شفتني هنا، ما جابنا إلاّ حقنا الضايع، وما لنا إلاّ الله ثم أبو متعب الله يطول بعمره!!!؟”.

في المقابل يعلّق أحد الواقفين لمشاهدة ما يحدث بقوله لمن حوله: “... خلاص صارت هذي عندنا في الوزارة حلية يركبها العاجزون محاولة منهم تحصيل ما يردون الحصول عليه وليس لهم فيه حق”!!؟ فعلا عجيب.

أعرف أنه ليس من الحكمة نشر الغسيل بهذه الصورة، ولكننا بصدق وكما يعلم الجميع ويعايش الكل، في مرحلة تاريخية دقيقة وصعبة، ولابد أن تقل المساحات السوداء في خارطتنا الوطنية حتى لا ينفذ منها الأعداء ويوظّفها المفسدون أصحاب النوايا الخبيثة والقلوب المبغضة الحاقدة في ضربنا، من داخل حصوننا التي نعتقد أنها أمانة محصّنة ومستقرة، دمت عزيزاً يا وطني، ودمتم أنتم بخير، وإلى لقاء والسلام.

الحبر الأخضر
وزارة التربية والتعليم “مشهد يختزل المأساة”
د.عثمان بن صالح العامر

د.عثمان بن صالح  العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة