Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 20/09/2013 Issue 14967 14967 الجمعة 14 ذو القعدة 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

أفاق اسلامية

أوصاف الحج المبرور
معالي الشيخ الدكتور أحمد بن علي المباركي

رجوع

معالي الشيخ الدكتور أحمد بن علي المباركي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:

العبادات التي شرعها الله جل وعلا من صلاة وصيام وحج وزكاة وغيرها لا تترتب عليها آثارها كاملة الحسية والمعنوية، الدنيوية والأخروية إلا إذا أداها المكلف على الوجه المطلوب شرعاً ظاهراً وباطناً فالحج وهو من أعظم العبادات وهو أحد أركان الإسلام قال الله فيه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} (197) سورة البقرة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: أي العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قيل ثم ماذا؟ قال حج مبرور» (أخرجه البخاري في صحيحه)، وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»، وثبت في الصحيحين أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه». فتبين من هذه النصوص أن أعلى مراتب الحج أن يكون مبروراً وأن هذا الحج المبرور موجب لغفران جميع الذنوب ودخول الجنة، فما صفات هذا الحج المبرور وما علاماته التي ينبغي أن يحرص المسلم الحاج على تحقيقها ويسعى في تحصيلها؟

إذا تأملنا نصوص الشريعة في هذا المجال يمكن أن نستخلص عدة أوصاف للحج المبرور، وهو الحج المقبول عند الله الذي يستحق من أتى به مغفرة الذنوب ودخول الجنة:

1- الإخلاص لله تعالى: ومعنى ذلك أن يؤدي الحاج الحج عبادة لله مبتغياً بذلك رضى الله والدار الآخرة خائفاً من سخط الله وعقابه، حَذِراً من أن يقصد بحجه شيئاً من الدنيا دون الآخرة من مال أو جاه أو مفاخرة أو ثناء من الناس أو حصول لقب كالحاج أو زيارة الآثار أو غير ذلك، فإن إرادة الدنيا بعمل الآخرة سبب لحبوط العمل، قال الله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (15-16) سورة هود، وقال جل وعلا: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} (18-19) سورة الإسراء، وقال تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (110) سورة الكهف. وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه» فإخلاص العمل لله تعالى شرط لقبوله كما دلت على ذلك آيات وأحاديث كثيرة.

2- والوصف الثاني وهو أيضاً الشرط الثاني لقبول الأعمال:

متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في أداء الحج سواء ما فعله عليه الصلاة والسلام أو أذن في فعله، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (7) سورة الحشر، وقال جل وعلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (21) سورة الأحزاب، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خصوص أتباعه في أداء مناسك الحج: «لتأخذوا عني مناسككم» (خرجه مسلم في صحيحه)، فعلى الحاج الذي يرجو قبول حجه ومغفرة ذنبه أن يحرص كل الحرص على أن يقع حجه موافقاً لما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يحذر من ارتكاب البدع والمحدثات والرخص التي تخالف هديه صلى الله عليه وسلم وتخل بهذه العبادة العظيمة.

فهذان الوصفان أعني الإخلاص لله ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم هما أهم ما يشمله الحج المبرور وهما أساس قبول كل عبادة، وقد عبر عن ذلك الفضيل بن عياض -رحمه الله- في كلامه على قبول الله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًاُ} (2) سورة الملك، قال: أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة.

3- والوصف الثالث من أوصاف الحج المبرور: أن تكون النفقة من مال حلال، فعلى الحاج أن يتحرى الكسب الطيب ليستعين به على طاعة الله ومرضاته ويستغني به عما في أيدي الناس، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغني يغنه الله». وجاء أيضاً من الوعيد على من سأل الناس لغير ضرورة أحاديث كثيرة منها ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم». وللكسب الطيب أثر كبير في قبول العبادة والتلذذ بها والتنعم بآثارها الجليلة فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!»

4- والوصف الرابع من أوصاف الحج المبرور: اجتناب الرفث: كما جاء في النصوص التي ذكرناها في صدر كلمتنا هذه.. والرفث كما قال ابن فارس في مقاييس اللغة: (الراء والفاء والثاء أصل واحد، وهو كل كلام يستحيا من إظهاره. وأصله الرَفَث وهو النكاح)2-421.

وفي تهذيب اللغة للأزهري: (قال الليث: الرفث: الجماع، وأصله قول الفحش. قال الله تعالى {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ } (197) سورة البقرة. وقال الزجاج: أي لا جماع ولا كلمة من أسباب الجماع... قال: (والرفث كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من أهله) 15-77. هذا هو أصل الرفث في لسان العرب وهو ما فسره به علماء التفسير من الصحابة والتابعين وقد لخص ذلك ابن كثير في قوله: {فَلاَ رَفَثَ} أي: من أحرم بالحج أو العمرة فليجتنب الرفث وهو الجماع كما قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ } (187) سورة البقرة، وكذلك يحرم تعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك، وكذا التكلم به بحضرة النساء) 1-547. ونحوه في تفسير ابن جرير 3-469.

وحاصل ما تقدم أن الواجب على المحرم أن يصون حجه وعمرته عن كل ما يفسدهما أو ينقصهما من الرفث وهو الجماع ومقدماته القولية والفعلية وخاصة ما كان بحضرة النساء، وهذا من تعظيم أمر الله وشعائره وذلك من تقوى القلوب.

5) الوصف الخامس من أوصاف الحج المبرور هو اجتناب الفسوق كما قال الله تعالى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (197) سورة البقرة، والفسوق هنا فسر بعدة أمور: بالمعاصي كلها وبمحظورات الإحرام وبالسباب، والتنابز بالألقاب وبالذبح للأصنام، والذي ذهب إليه جمع من المفسرين كابن كثير هو أن الفسوق هنا يشمل جميع المعاصي وخاصة ما كان من محظورات الإحرام كالصيد وأخذ الشعر والطيب... الخ، فكل معصية وكل محظور حال الإحرام إذا فعله الحاج أو المعتمر متعمداً فهو فسوق منهي عنه، ولا يكون الحج مبروراً إلا باجتناب هذه المآثم من المعاصي والمحظورات.

ومن المآثم التي تنقص ثواب الحج ولا يكون مبروراً شرب المحرمات كالدخان واستعمال المعازف أو سماعها، أو ظلم الحجاج أو أذيتهم بقول أو فعل، كل ذلك مما يخل بالحج وينقص ثوابه ولا يرفعه إلى مرتبة الحج المبرور. فهذه أهم أوصاف الحج المبرور، وكلما ازداد المسلم من أعمال الخير وأفعال البر في حجه من الصدقات وإطعام الطعام ولين الكلام والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإرشاد الضال وإعانة المحتاج كان أقرب إلى الله تعالى وأرجى لأن يكون حجه مبروراً، فعلى الحاج الذي تجرد من دنياه وأقبل على الله يرجو قبول حجه ومغفرة أوزاره أن يحرص ما استطاع على استحضار هذه المعاني في حجه ليرجع إلى أهله وقد ربح وفاز ونال أعظم الأجر والثواب، وهو غفران ذنوبه كيوم ولدته أمه والفوز بالجنة يوم لقاء ربه.

نسأل الله العظيم لنا وللمسلمين أن يغفر ذنوبنا وأن يستر عيوبنا ويبلغنا جنته بفضله ورحمته إنه جواد كريم.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

- عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة