Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 23/09/2013 Issue 14970 14970 الأثنين 17 ذو القعدة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

لم أكن أتوقع لقاء الملحق الثقافي السعودي في الولايات المتحدة الأمريكية الدكتور محمد العيسى، عندما حضرت مجلس الزميل الإعلامي خالد الحسيني في مكة المكرمة مؤخراً. كانت آخر مرة التقيت فيها بالمثقف الأنيق في مكتبه بواشنطن عام 2007 عندما دعيت لألقي كلمة في مؤتمر العلاقات السعودية الأمريكية الذي استضافه ونظمه نادي الطلبة السعوديين في ولاية إيوا.

كان على مندوب الملحقية أن ينتظرني ساعات بعد وصول رحلتي إلى مطار دالاس الدولي بواشنطون. فوقتها، كان على كل المسافرين السعوديين الذكور البالغين أن يراجعوا مكتب الأمن الخاص لمواطني دول معينة في المطار للتحقيق حول أسباب الزيارة. استغرق ذلك أربع ساعات انتظاراً لدوري، وعشر دقائق للتحقيق، إضافة إلى ساعتين في انتظار الحقائب، لرحلة أربع عشرة ساعة، إضافة إلى “ثلاث ساعات” في مطار جدة، كما يتطلب ذلك لرحلات أمريكا في ذلك الوقت. الأسئلة كانت مشابهة لتلك التي أجبت عليها من قبل أثناء المقابلة الشخصية بالسفارة في الرياض، ضمن إجراءات التأشيرة الطويلة والمزعجة.

رويت ما حدث للدكتور العيسى فاستاء وطلب مني حضور اجتماع مقرر في صباح اليوم التالي مع ممثلي مختلف الأجهزة المدنية والأمنية الأمريكية، لمناقشة هذه القضايا وغيرها مما يؤثر على طلابنا ومواطنينا الزائرين والمقيمين في الولايات المتحدة.

في ذلك الاجتماع قلت لهم إن الطلاب السعوديين هم خير سفراء للسلام لأمريكا والمملكة، فمن قلب العالم العربي والإسلامي الذي تضررت صورتكم فيه يأتيكم خيرة الشباب، قادة المستقبل، ليتعرفوا على الحضارة الأمريكية ثم ينقلوا انطباعاتهم عنها لأمتهم. كما سينقلون للأمة الأمريكية صورة أكثر صحة واستنارة عن حضارة دينهم وأمتهم وبلادهم. هذه المكاسب التاريخية التي قدمها برنامج الملك عبدالله للابتعاث على طبق من ذهب مهددة بالخطر نتيجة للانطباعات السيئة التي تتركونها لدى هؤلاء السفراء قبل وعند وصولهم لبلادكم ثم حين المغادرة. فتعقيدات ومهانة الحصول على التأشيرة هي الرسالة السلبية الأولى التي تقول لهم: نحن لا نريدكم! ثم تأتي الرسالة الثانية في المطار لتقول: ماذا جاء بكم؟ والرسالة الثالثة عند المغادرة وكأنما للتذكير والتأكيد (لا تعودوا مرة أخرى).

تجاوب الحضور مع تعليقي ووعدوا بنقلها الى جهاتهم والسعي لحل هذه الإشكاليات. وفي لقائي الأخير مع الدكتور العيسى أكد بأنهم أوفوا بوعدهم، وأن المعاملة في السنوات الأخيرة للزوار السعوديين باتت لا تختلف عن معاملة غيرهم من الزوار، وأن الطلبة يتمتعون بمعاملة أفضل بكثير. كما شاطرني بعض الأخبار السارة وأذن لي بنشرها.

في السنوات السبع التي قضاها في منصبه، شهد الدكتور العيسى عدد الطلاب السعوديين ينمو من بضعة آلاف إلى أكثر من 115.000 طالب مع أسرهم، ينتشرون في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وفي أفضل الجامعات الأميركية في تخصصات القانون، والإدارة، والعلوم، والطب والتقنية.

يقول: “لقد خدمت في القطاع العام سبعة وثلاثين عاماً، ولكني أعتبر السنوات التي قضيتها في خدمة طلابنا الأكثر إثراء لمعارفي وامتاعاً. فعلاقتي معهم أصبحت أفضل جزء من حياتي. ألتقي بهم بعد التخرج في كل مكان خلال زياراتي للمملكة: في الطائرات والمطارات، والفنادق، والإدارات العامة والخاصة. أمس، التقيت أحدهم في مصعد فندقي في مكة المكرمة فرحب بي وأبلغني أنه أصبح المدير. كأستاذ جامعي تعرف هذا الشعور الجميل! أن أفضل مكافأة لعملنا في التعليم عندما ترى ثمار جهدك تشرق بالحياة وتغرقك بمشاعر الحب والامتنان. لا شيء في الدنيا يعدل هذا الشعور!”.

ومن أجمل ما سمعته من الدكتور العيسى تلك الليلة أن عدد أندية الطلبة السعوديين نما إلى 240 نادياً، تندمج إدارة وتمويلاً ضمن الجامعات الأمريكية، وتحظى بالدعم الكامل منها. ولم تعد تتلقى من الملحقية إلا بعض المساعدة في المهرجانات الوطنية وأنشطة فريدة مثل المؤتمر الذي نظمه نادي أيوا وتشرفت بحضوره عام 2007م. كما أسعدني أن أعلم أن خمسة وعشرين من رؤساء هذه الأندية سيدات، فزن في الانتخاب وحزن على تقدير ودعم وثقة زملائهن الطلاب ومسؤولو الجامعات.

ويؤمن الدكتور العيسى بفضيلة المساواة التي أكسبته ولاء وامتنان الطلاب وأسرهم. فخلال زيارتي السابقة ومن خلال تواصلي مع كثير من الطلبة، سمعت أنهم أيقنوا بأن أداءهم وعطاءهم هو الذي يصنع الفرق، وأن الجميع يحظى بالمعاملة نفسها بغض النظر عن الانتماءات القبلية والطائفية والعائلية. و يؤكد هذا الدكتور العيسى، وهو في صميم برنامج المنح الدراسية للملك عبد الله في عامه التاسع الآن، ومدد في العام الماضي حتى عام 2020، حيث يحظى البرنامج بدعم وتوجيه كل مسؤولي وزارة التعليم العالي وعلى رأسهم وزيرها الدكتور خالد بن محمد العنقري، ووكيل الوزارة لشؤون البعثات الدكتور ناصر بن محمد الفوزان، وجميع الوزارات المعنية كوزارة الخارجية.

“أبناؤنا يتعلمون هنا كيفية التواصل مع الآخر المختلف والتعامل بعقل وقلب مفتوحين،” يقول الدكتور العيسى، “وهناك حاجة ماسة لتوطيد قيم التعاطف والتسامح والتعاون في عالمنا. وللبدء، يجب أن نتعلم الحوار المثمر مع بعضنا البعض. ثم يصبح من السهل تقديم الصورة الحقة لطبيعة الإسلام وتسامح المسلمين في علاقتنا مع الآخرين”.

أدعو الله أن تتحقق أهداف هذا البرنامج النبيل وأن يتعلم أبناؤنا ليس العلوم والتكنولوجيا فحسب، بل أيضاً وسائل الاتصال الحضاري.

kbatarfi@gmail.com

طلابنا في أمريكا: حضارية التواصل والتعامل قبل التعليم
د. خالد محمد باطرفي

د. خالد محمد باطرفي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة