Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 23/09/2013 Issue 14970 14970 الأثنين 17 ذو القعدة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

لا ندري سر تعلقنا بأشيائنا القديمة، ليس المحسوس منها فحسب إنما حتى المعنوي، إذ لا نزال نتشبث فيه، ونرومه ونحقق في جل تفاصيله، وندعو ليل نهار أن تعود تلك الأشياء القديمة حتى وان كانت بها بالأخطاء، لأن تلك الأخطاء قد تكون مقبولة إذا ما قورنت بما قد يحدث من أخطاء هذه الأيام في مجال الحياة الاجتماعية والتربية والتعليم والصحة التي لا نختلف كثيراً على أنها معرضة لأن يتم الخطأ فيها.

ومن تلك الأشياء القديمة، هي سيرة “المفتش” الذي عرفناها ونحن صغار على مقاعد الدراسة، فحينما تنتدب إدارة التعليم آنذاك شخصية تربوية تتابع سير العملية التعليمية للمعلم والطالب وملاحظة ما يطرأ على المدرسة وكيانها، فغالبا ما تكون هذه الشخصية من بلاد عربية مجاورة، نستشعر خطرا ما ربما تعكسه حالة المعلم الذي ستوجه إليه بعض الأسئلة من هذا المفتش كما يفعل نحونا تماماً.

فالمفتش آنذاك كنا نظنه أسطوريا، حتى أن حجم المعلم يتضاءل حينما يغشاه هلع وتعروه ابتسامة صفراء، لنكتشف أن الأستاذ أمامنا يخاف مثلنا لا سيما حينما يلوح أحد الطلاب بأنه قد يُصعِّد أمر عقابه في وقت مضى، أو ربما ما تعرض له من ضرب أو عقاب إلى هذا المفتش.

فالأديب طه حسين كان مفتشا تعليمياً، وقبله عباس محمود العقاد، وأدباء آخرون من أمثال نجيب محفوظ، ويوسف القعيد، لتظل مزية التفتيش معتبرة ومرموقة، ولها أثر طيب في تقويم الحياة التعليمية والتربوية، إلا أن مضمون هذه المهنة أو الرسالة غادرت إلى غير رجعة، فلم يعد للمسمى “مفتش” أي أثر أو وجود هذه الأيام، ليس في التعليم فحسب إنما في شؤون كثيرة في حياتنا وإن بقيت مدلولاتها لتمارس بشكل آخر.

حتى المسمى البديل للمفتش غُيِّرَ وحوِّر إلى “مراقب” أو “موجه” أو “مشرف” ولم يلبث مسمى موجه إلا ويغير نظراً لأن ذلك الموجه قد يحتاج إلى من يوجهه في الأصل، للتحول لغة المتابعة والمراقبة وهي في الأساس تعني المفتش إلا أنها لم تستبدل بما يجعل الفرد مفتشاً ومراقباً على ذاته، وهذا سر نجاح تجارب من حولنا في بعض دول آسيا ككوريا الجنوبية والصين وماليزيا.

ففكرة المفتش والمراقب ربما أسهمت في تعطيل دور الرقابة الذاتية، بل أنها باتت مع الوقت فرصة للشعور بالسيطرة وربما علامة من علامات التسلط، لأن هناك بعض الأشخاص من يتمنى أن يتابع أو يراقب أو يفتش، فكانت البرقيات بين المناطق قديماً نشير وبشفرة مبهمة إلى أن أمراً ما سيحل بأحد ليلغز بالرسالة المقتضبة: “جاكم الذئب” ليفهموا أن مفتشاً ما يقطع الفيافي إليهم، لتقييم أدائهم أو للتحقيق بقضية ما، ربما حملتها مراسلات البريد، ليتخذ كل منهم الحذر، ومن له حيلة فليحتال ـ كما يقال ـ فالقضية في أساسها مبنية على الخوف لا على الثقة والمسؤولية وتقييم الذات بدلا من هذا المفتش أو ذاك..

في التفتيش التربوي في تلك المراحل السابقة كان يثير الهلع في المدارس رغم ندرتها، أما في العمل الوظيفي فإنه أقل رعباً قياساً إلى العمر والتجارب وواقع الممارسة، إلا أنه ومع اختفاء هذا المسمى كما أسلفنا فإن حالة التفتيش والتدقيق والمراقبة والتحقيق هي القائمة، فمع تغلغلها في العقلية الإدارية والعملية ربما ستظل قائمة لعقود .. فالأمل في أن يتم محاسبة الذات وبناء الشخصية المعتدة بعملها وتجربتها لعلنا نتخلص من أعباء المتابعة والمراقبة والتفتيش التي يفترض أن لا تعود إلينا أبداً..

hrbda2000@hotmail.com

بين قولين
أسطورة المفتش التعليمي
عبد الحفيظ الشمري

عبد الحفيظ الشمري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة