Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 28/09/2013 Issue 14975 14975 السبت 22 ذو القعدة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

الجد، والاجتهاد، والمثابرة، والعدل، والإنصاف، والإخلاص، والالتزام، والأمانة، وسعة الأفق، وبعد النظر، والاستقامة، والبحث، والتنقيب، وهم الوطن، وغيرها كثير تنطوي على معاني كبرى تشكل ملامح الرقم الأصعب والأهم في المجتمع الذي يرنوا له أفراده بصفته قائد ربان سفينة تنمية وطنهم،

.. وتحديداً باعث الحراك وربانه في تطور مؤسسات سنام التعليم، ومنطلق الإنتاج العلمي والفكري في المؤسسة الجامعية، ومنتج المعرفة وناشرها: الأستاذ الجامعي. قامة بمثل هذه السمات يشهد الواقع المعاش من داخل المؤسسات التعليمية الجامعية تخليها عن كثير من تلك القيم العلمية، وجنوحها نحو اكتساب سلوكيات إدارية غير حميدة بمجرد أن تطأ قدماها أولى درجات سلم العمل الإداري الأكاديمي وتسنمهما مناصب إدارية في المؤسسات التعليمية العُليا والتي يمكن رصدها في ملامح ونواح متعددة المشارب تُظهر انحراف بوصلتها عن طريق المعرفة بكل معطياته.

أولى ملامح الانحراف في بوصلة الأستاذ الجامعي حال انخراطه في معمة العمل الإداري الأكاديمي يمكن تلمسه في تغييب بعضهم للنظام والآلية المحددة للحقوق والواجبات، وتبني المحسوبيات والمجاملات في مجال التوظيف الأكاديمي، والانتقائية في تطبيق اللوائح والأنظمة فنراه ينتقي مما بين يديه من لوائح وأنظمة مع ما يتوافق مع ما يريده، ويترك جانباً مما لا يروق له بالرغم من نظاميته، وتوافر معايير نظامية تلزم فرض بنودها على الجميع بلا استثناء. وفي ظل هذا السلوك الإداري نجد أنًّ الأنظمة يتم تطبيقها وتفسيرها بطريقة مزاجية لخدمة الأهواء والأغراض الشخصية للأكاديمي الإداري، وتعقيد الإجراءات، وفي الوقت نفسه التمسك بحرفية القانون في حالات أخرى.

جانب آخر يتجلى فيه الانحراف السلبي في سلوك الأكاديمي بمجرد دخوله في دهاليز الإدارة الأكاديمية يظهر جلياً من خلال تعامل المسؤول الجامعي الإداري مع مرؤوسيه ممن يتولى قيادتهم؛ إذ نراه يعمل أحياناً بكل ما أوتي من قوة على فتح جبهات للخلاف معهم بعيداً عن الحقيقة، والقبول بالحق، ورؤية الأمور من زاوية الرشد والتعقل، والتعامي عن حقيقة أن لكل واحد من الطاقم الإداري خبرات وقدرات جديرة بالاحترام والتقدير، والقصور في النظر إلى الاختلاف على أنه سبب للتكامل، والمبادرة، وفرصة لتلاقح الأفكار قديمها وجديدها، والتعاون لما فيه مصلحة المؤسسة التعليمية. كما أن هذا السلوك الإداري المشين يقود إلى تهيئة أجواء من الاستبداد يتحول معها ذلك النوع من القياديين الأكاديميين إلى أنهم لا يرون إلاّ ما يرونه هم، ويتمسكون ببنات أفكارهم وكأنها أمر مقدس غير قابل للنقد، أو حتى التمحيص والتوقف عندها، ويضعون معايير أهوائية تكون هي المحتكم إليها في قبول، أو رد ما يرد إليهم، وهنا تغيب النظرة الموضوعية، ويحجبُ الهوى رؤية الصواب، ويُغلّب الرغبة الجامحة في تحقيق المآرب الشخصية على حساب آراء ومواقف الأطراف والمجموعات الأخرى. ويستوي في ذلك سوءاً لجوءهم لتحجيم وإبعاد الكفاءات العلمية المتميزة وحرمانها من الحصول على فرصها التي تستحقها في العمل الأكاديمي، بل ووسمها بالمارقة، وصاحبة المشاكل، ومشعلة قناديل الفتنة والإفساد، وحاملة لواء المعارضة.

ومظنة أخرى تتمثل في اختطاف مفاصل العمل والاحتفاظ به لنفسه؛ وذلك من خلال القيام بوضع الخطط والبرامج التي تتوافق فقط مع هواه، ورغباته الشخصية، وما يخدم ذاته الأنانية، وإقصاء، أو إبعاد خطط، وبرامج، وأفكار، أجدى وأنفع نظراً لعدم توافقها مع رغباته الشخصية، أو خوفه من إعطاء مساحة لقدرات تُظهر ضحالته وفقره فكريا، بل وحتى إدارياً. ومن هنا فهو بموجب ذلك يجعل من ذاته مداراً تتمحور حوله الآراء والقناعات، ويقوم برسم السياسات الخاصة بالمكان من دون إشراك من حوله متبنياً بذلك النمط القيادي الأكاديمي الاتوقراطي (The Autocratic Style) الذي ينطوي على الاستبداد بالسلطة والرأي، والتسلط الإداري، والمركزية في اتخاذ القرار، واتباع أساليب توجيه الأعمال بواسطة الأوامر وعدم السماح بمناقشة قراراته.

وأخطر ملامح الانحراف في بوصلة الأستاذ الجامعي حال دخوله بوابة العمل الإداري الأكاديمي يمكن تلمسه في تقديم بعضهم المصلحة الخاصة على العامة مدفوعاً بذلك لا إلى مصلحة عامة، ولا إلى صالح عام، ولا إلى حقوق واجبات وأعراف أكاديمية، وإنما مصلحة خاصة ليس إلا مترجماً بذلك عملياً سوء استخدام فاضح للسلطة القيادية الأكاديمية التي يتولى دفتها لتحقيق مكاسب اجتماعية، وربما مالية، وبالطبع منافع شخصية يتعذر تحقيقها بطريقة مشروعة. وعلى نفس القدر من الخطورة الاندفاع المحموم واللاهث نحو العوائد والمزايا المالية التي يمكنه الحصول عليها بحكم وجوده على سدة المركز القيادي الأكاديمي وذلك من خلال حشد كل قواه للبحث عنها بشكل يوحي بأنه في سباق مع الزمن، والعمل على استغلال موقعه ليناله نصيباً منها وذلك كله على حساب العمل بكل تفان وإخلاص لتهيئة المؤسسة التعليمية التي يديرها لتكون أفضل بيئة يتعلم فيها أبناؤه، وأحفاده، وأبناء عمه، وخاله، وأبناء جيرانه وأبناء المجتمع برمته، وجعلها صروحا علمية تنتج طلابا على شيء كبير من الإتقان الفني ومن الكم المعلوماتي، وكذلك جعلها رائدة في مجال العلم والفكر المتخصص الذي يجني ثمرته في نهاية المطاف المجتمع ويسهم في رقيه درجات عالية في سلم التطور والتحضر بحكم امتلاك الوطن لصروح تعليمية كبيرة تمكنه من احتلال مراتب متقدمة في سلم الركب الأكاديمي.

ومن هنا بالنظر إلى أن القيادة الأكاديمية أساس لنجاح أية مؤسسة تعليمية، وارتباط نجاحها في تحقيق أهدافها ورسالتها بالكيفية التي يدير بها القائد الأكاديمي يجب أن تكون هناك وقفة حازمة في وجه مظان تلك الانحرافات السلوكية لبعض القيادات الأكاديمية التي إن لم تتم معالجتها والحد من تفشيها فسوف تقضي على مؤسساتنا التعليمية العالية، وتضعف أداءها، وتجعلها تقذف لنا بمخرجات هزيلة، وتهدر مواردها، وتجعلها عاجزة عن تحقيق الأهداف التنموية الوطنية، وحتماً ستساهم بتوسيع دائرة استغلال النفوذ والتي جميعها تلقي بضلالها وأثرها السلبي أداء العاملين، وكفاية أعضاء هيئة التدريس، ومستوى انتماءاتهم للمؤسسة التعليمية، ومناخ العمل الجامعي، والناتج الإجمالي للعمل العلمي في المؤسسات التعليمية. ما نحتاجه إذاً لكبح جماح هذه النوعية من القيادات الأكاديمية على قلتها يتطلب إبراز هذه السلوكيات الإدارية السلبية، وتعرية خصائص وأمارات المتصف بها، والإشارة إلى مخاطرها، ومن ثم العمل على تفعيل الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد والتي أكدت ضرورة الإقرار بمبدأ الشفافية، وتعزيزه داخل مؤسسات الدولة، وإشراك مؤسسات المجتمع المدني في حماية النزاهة، وقيام الأجهزة الحكومية المختصة بممارسة اختصاصاتها في مكافحة الفساد بكل صوره وأشكاله، والعمل بمبدأ المساءلة لكل مسؤول مهما كان موقعه الاجتماعي، أو الوظيفي.

وفي الختام هذه همسة في أذن ذلك النوع من القيادات الأكاديمية -ولا أعمم-: تذكروا أن القمم التي حلقتم في فضائها ستقذفكم من علٍ؛ لأن أساسها واهن ضعيف لبنائه على دعائم سلوك إداري أكاديمي غير سوي، ولن يكون بإمكانكم من جراء هذا النهج الإداري المنحرف تحقيق نتائج إيجابية على المدى البعيد، وإن بدت كذلك في المنظور القريب.

alseghayer@yahoo.com
@alseghayer

العمل الإداري مظنة انحراف في بوصلة الأكاديمي
د. خالد محمد الصغِّير

د. خالد محمد الصغِّير

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة