Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 28/09/2013 Issue 14975 14975 السبت 22 ذو القعدة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

وجهات نظر

ظلمات بعضها فوق بعض. حقاً هذا هو واقعنا كعرب وماضينا المرير، حقاً هذا هو الوصف الدقيق لواقعنا وماضينا، ماضٍ مؤلم وواقع أشد إيلاماً. هذه هي حالنا منذ ألف عام أو تزيد قليلاً، حتى وصلت الحال بنا أن نكون وبحق تلك الأمة التي ضحكت من جهلها الأمم، حيث يبدو أن مناعة الأمة العربية الطبيعية قد ماتت، فلم تستطع الأمة مقاومة الفقر والجهل والتجهيل المتعمد والتخلف والاستبداد في الداخل ولا مقاومة طمع وعبث الخارج القريب والبعيد بدولنا ومصير أمتنا.

فهل نحن بحاجة إلى هذه الفوضى (الخلاقة؟) فوق ما لدينا في عالمنا العربي من فوضى ودكتاتورية وفساد في كل مناحي حياتنا وفي ظل غياب مطلق للعقل في مجتمعاتنا العربية.

إن واقعنا العربي كان وما زال مظلماً لا يبشر بخير وزادته هذه الفوضى - التي زعموا أنها خلاقة - ظلمة وظلامية، وقد تكون هذه الفوضى خلاقة فعلاً ولكن بالتأكيد ليست لنا، إنما لمن اخترع ونفذ هذه الفوضى، بل واستعملنا لتنفيذها، فنحن منذ قرون أمة مفعول بها.

يكفينا أن نعلم أن واقعنا في خضم هذه الفوضى الخلاقة ليس بأفضل من واقعنا قبلها، فقد كان العابثون بماضينا وحاضرنا ومستقبلنا كُثر فأصبحوا بعدها أكثر.

إن العبث بواقعنا العربي ومصيرنا العربي ومستقبل أجيالنا القادمة أمسى واضحاً في كل مناحي حياتنا ابتداء بديننا وعقيدتنا مروراً بواقعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وليس انتهاء بذائقتنا الثقافية والفنية حتى بموروثاتنا الشعبية التي لم تسلم من عبث العابثين.

فلِمَ كل هذا العبث وهذه الفوضى ومن يقف وراءها ومن المستفيد منها، سوف نحاول الإجابة بقدر استطاعتنا وبدون أن نثقل على القارئ الكريم بتفاصيل نثق أن فطنته كفيلة بمعرفتها، وكذلك سوف نجيب حسب رأينا الذي هو بالتأكيد رأي يقبل الجدل.

منذ عهد المأمون ابتدأ خروج حكم الأمة من الأيدي العربية لمصلحة الفرس والأتراك، ثم خرج نهائياً بعد حكم المتوكل إلى يومنا هذا، حيث توالت الكوارث والنكبات على هذه الأمة ابتداء من سقوط بيت المقدس وكثير من بلاد الشام بأيدي الصليبيين مروراً بسقوط بغداد الأول على أيدي التتار وليس انتهاء بسقوط غرناطة في عام 1492م وصولاً إلى وقوف القائد الغربي في بداية القرن العشرين على قبر صلاح الدين الأيوبي، حيث قال ها قد عدنا يا صلاح الدين. وعندما خرجت الأمة من احتلال تركي إلى احتلال غربي وتوالت الكوارث بعد هذا على هذه الأمة المنكوبة وكان أهمها سقوط فلسطين بأيدي الغزاة الصهاينة والتي أسست وهيأت المناخ لقيام كل الدكتاتوريات العسكرية وغير العسكرية في مختلف دول الأمة العربية والذين اتخذوا من قضية تحرير فلسطين ذريعة للوصول إلى التحكم في رقاب شعوبهم، وما زال المنتفعون من هذا الشعار الزائف يرددونه عرباً وحتى فرساً للوصول إلى أهداف أخرى ليس من بينها قضية فلسطين، حيث إن تحرير فلسطين يتطلب تحرير الفرد العربي والعقل العربي في المقام الأول من كل المعوقات الفكرية والاجتماعية التي عطلت وما زالت تعطل هذا الفكر وهذا الفرد من الوصول إلى حريته التي بدونها لن يستطيع تحرير أي شيء، وهنا يجب الإشارة إلى مقولة شهيرة لرئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير حين سُئلت: «ألا تخشين العرب؟» فأجابت: «أخشاهم فقط عندما أراهم يقفون في الطابور». والطابور هنا هو إشارة رمزية إلى الحرية والمساواة والديمقراطية والعدل وتداول السلطة والالتزام بحكم القانون، وكل هذه العوامل ما زالت مفقودة وسوف تستمر كذلك إلى أن يشاء الله.

إن أعداء هذه الأمة في الداخل والخارج يقفون بالمرصاد لإفشال كل محاولات الأمة (هذا إن وجدت) للوقوف في الطابور الذي خشيت منه جولدا مائير، وقد عملوا كل جهدهم (الغرب) للحيلولة دون هذا الوقوف منذ بداية التوسع الغربي في العالم بعد سقوط غرناطة.

إن أوضح الأمثلة على نجاح هذه الفوضى الخلاقة هو ما نراه من استباحة للدماء العربية على الساحتين السورية والعراقية، حيث إن أحد الأهداف المرحلية لهذه الفوضى هو ما نراه من سماح وتمكين مخترع هذه الفوضى (الأمريكي) للفرس في التحكم ببعض أو كل الحركات الجهادية التكفيرية على هاتين الساحتين؛ لتحقيق مصالحه على حساب مصالحنا ودمائنا، ويكفي هنا الإشارة إلى أن الكثير من رموز هذه الحركات التكفيرية موجودة في إيران أو على علاقة بها بطرق مباشرة أحياناً وغير مباشرة أحياناً أخرى، حيث إن ما حدث من تفجيرات إرهابية في العراق مثل تفجير المرقدين العسكريين في سامراء وصولاً لما نراه من تفجيرات يومية الآن قد خرج من غرف عمليات المخابرات الفارسية والتي في النهاية صبت في مصلحة الفرس من ناحية الاستفادة من هذه الفوضى في حكم والتحكم في العراق بطريقة مباشرة أو عن طريق عملائهم الكثر هناك، فقد أصبح الشأن العراقي برمته تحت سيطرة الفرس، وكذلك هو الحال على الساحة السورية وحركاتها الجهادية التي انقلبت على الثورة السورية وباتت تحارب الثوار السوريين بدلاً من محاربة العصابة النصيرية المجرمة وحلفائها من الفرس والشيعة، فقد انكشف الآن سبب وجود هذه الحركات التكفيرية على الأرض السورية، وانكشف من يقف وراءها، وكذلك انكشف المستفيد الأول من هذا الوجود، ألا وهو هذه العصابة وأسيادها الفرس الذين أصبحت كل مقاليد أمور هذه العصابة ومصيرها - وبالتالي مصير الشعب السوري - بأيديهم.

لقد تناولنا بشيء من التفصيل مظاهر هذه الفوضى على الساحتين العراقية والسورية، حيث الأدلة والإجرام أكثر وضوحاً من غيرها من الساحات العربية التي اجتاحتها هذه الفوضى.

إن الحديث عما عانيناه وما نعانيه وما سوف نعانيه نتيجة لهذه الفوضى هو حديث مؤلم يدمي القلب، وقد ينكشف لنا في قادم الأيام ما هو أسوأ بكثير من هذا الواقع المؤلم في فصول هذه الفوضى أو هذه المؤامرة الكبرى.

فلا حول ولا قوة لنا إلا بالله العزيز القدير، وهو القادر على تغيير حال هذه الأمة المنكوبة.

الفوضى الخلاقة
إبراهيم السماعيل

إبراهيم السماعيل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة