Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 30/09/2013 Issue 14977 14977 الأثنين 24 ذو القعدة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

قام مركز “بيو” للأبحاث بدراسة استطلاعية حول نظرة المسلمين للتطرف الإسلامي. تمت فيها مقابلات وجهاً لوجه مع حوالي تسعة آلاف مسلم خلال شهري مارس وأبريل 2013 في: مصر، إندونيسيا، الأردن، لبنان، ماليزيا، نيجيريا، باكستان، فلسطين، السنغال، تونس، تركيا.

الدراسة نشرت قبل أيام، وخلاصتها أن مخاوف المسلمين من الجماعات الإسلامية المتطرفة تتزايد، إضافة إلى تضاؤل تأييد أو تبرير العمليات الانتحارية. فقد أظهر الاستطلاع أن معدل 67 % قالوا إنهم قلقون من حركات التطرف الإسلامي. وبحسب الدراسة، تشتد كراهية قطاع كبير من المسلمين، لتنظيم القاعدة بمعدل 57 % شملهم الاستطلاع، مقابل 13 % يؤيدونها أو يبررون أفعالها. وقد وجد الاستطلاع أن أغلبية المسلمين يعارضون هذه الحركات.. ففي باكستان (89 %) وإندونيسيا (81 %)، ونيجيريا (78 %) وتونس (77 %)، قالوا إن التفجيرات الانتحارية أو أعمال العنف لا يمكن تبريرها أبداً. وعلى الرغم من أن نسبة كبيرة في فلسطين تعتقد أن التفجيرات الانتحارية يمكن تبريرها، فإن النسبة تتراجع بحسب الاستطلاع. كما وجدت الدراسة أن غالبية ساحقة (83 %) من المسلمين في نيجيريا يعارضون حركة بوكو حرام النيجيرية، مقابل 2 % يؤيدونها.

هنا يتبادر السؤال: إذا كانت شعبية أعمال العنف تتضاءل بهذه الحدة، فكيف نفسر زيادة هذه العمليات في الآونة الأخيرة؟ أم أن هذه الاستطلاعات غير موثوقة؟ من ناحية الثقة، فمختلف الاستطلاعات العالمية وجدت أن شعبية أعمال العنف التي تقوم بها الجماعات الإسلامية تتناقص خطياً منذ سنوات بين المسلمين. فمنذ عام 2007 ذكر بحث لبيو أن نسبة المسلمين الذين يرون الهجمات الانتحارية مبررة لأسباب دينية قد انخفضت بحدة. والدراسة الحالية أوضحت انخفاضاً لنسبة المسلمين الذين قالوا إن التفجيرات الانتحارية مبررة. ومن أمثلة ذلك من عام 2002 إلى 2013، نجدها في باكستان من 33 % إلى 3 %، وفي الأردن من 43 % إلى 12 %، ولبنان من 74 % إلى 33 %. واخترت هذه الأمثلة لأنها تشمل الطيف العام من الأقل والوسط والأعلى..

إذن، يبقى السؤال المنطقي: لماذا عمليات التفجير زادت بينما تناقص تأييدها بشكل حاد؟ الواقع أن العمليات النوعية لحركات التطرف الإسلامي تقلصت تماماً مع تقلص شعبيتها فلا تعارض منطقياً، إنما الذي استمر هو العدد الهامشي وليس النوعي. فلم تعد العمليات كما كانت مثل هجمات 11 سبتمبر، وتفجيرات مدريد عام 2004 ولندن عام 2005. فهذه الهجمات كانت كبيرة وخارج العالم الإسلامي، وتلك كانت إحدى إستراتيجيات تنظيم القاعدة.. لكن الآن صارت تبحث عن أي دور فوقعت في متاهة المسارات الجانبية، وصارت هجماتها منساقة وتابعة لمسار الاضطرابات المحلية.. وهنا تقلص تأييدها بحدة.. فهذه الحركات دخلت إما في صراعات طائفية كما في العراق وسوريا ولبنان، أو في صراعات إقليمية في المناطق المضطربة كما في الصومال وأفغانستان، أو غالباً في المناطق النائية عن الحكم المركزي كما في سيناء واليمن والمغرب العربي ومالي ونيجيريا.

ويمكن الاستشهاد بالمراحل الثلاث في التنظيمات العنفية التي ظهرت منتصف القرن العشرين بأوروبا وأمريكا اللاتينية وشرق آسيا.. وهذه الثلاث هي: مرحلة العمل الإستراتيجي المسلح.. حيث المد والانتشار الدعائي نتيجة أعمال كبرى، ثم مرحلة العمل الجزئي والجانبي مع فقدان الشعبية، ثم مرحلة العمل الهامشي.. حين تقوم بقايا التنظيم بمغامرات فردية تمثل حالة الاحتضار الذي قد يطول. والتنظيمات الإسلامية المتطرفة انتقلت من مرحلة العمليات الاستراتيجية العالمية إلى مرحلة العمليات الجانبية في الصراعات المحلية، أي أنها دخلت في مرحلة انحسار نوعي وليس كمياً، والذي من المتوقع أن يليه مرحلة الانحسار الكمي مع نهاية النزاعات المحلية.

وإذا كان ذلك يفسر جزئياً كيف أن أعمال الحركات الإسلامية المتطرفة زادت بينما تأييدها يتناقص بحدة، فإن الجزء الآخر من التفسير نجده في تداعيات ما سمي الربيع العربي. ففي السنة الأولى للربيع العربي بدا وكأنه أسدل الستار على الحركات الجهادية التي لم تهز نظاماً عربياً واحداً طوال سنين من العنف الدموي، بينما الاحتجاجات السلمية أسقطت أنظمة وعدلت من أخرى في بضعة أشهر. حينها اصطدم نموذج العنف الفاشل بالنموذج السلمي الناجح.. مع ارتفاع مقولات الحرية والديمقراطية التي تتعارض تماماً مع مقولات الحركات العقائدية المتطرفة، فضَعفَ تأثير حركات التطرف في تطورات الأحداث العربية وأصبحت شبه منعزلة، وبدا أنها ستخرج نهائياً من مشهد الأحداث العربية الكبرى..

لكن لم تكد السنة الثانية من “الربيع” تنتهي إلا وعادت حركات العنف نتيجة الفوضى التي حلت مع الفراغ المؤسسي والدستوري وحالة المخاض العسرة للدولة الجديدة في بلدان الربيع إضافة للبلدان التي تعيش الفوضى كالصومال والعراق.. كان هناك جهاديون انخرطوا تكتيكياً (خلايا نائمة) لاستغلال أحداث الربيع بعدما رأوا نجاحاته التي لا يمكن الوقوف في وجهها. ففي السنة الأولى من الربيع اعتبر أبو يحيى الليبي أحد ورثة بن لادن أن إسقاط نظم الحكم على يد الثوار السلميين يعد خطوة واحدة للوصول إلى الهدف! آنذاك قال أنور العولقي: “يرى قادة القاعدة أنه مهما تكن نظم الحكم التي ستنشأ بعد مبارك والقذافي وابن علي فإن الأحداث الأخيرة يكمن فيها تغيير لم يسبق له مثيل إلى الأحسن عند من يؤيدون الجهاد العالمي”. تلك كانت بذور في بداية الربيع كان يمكن أن لا تنبت لولا أن تداعيات الربيع حصل فيها اضطرابات وتشوهات ضخمة في الدمقرطة وفي مفهوم الحرية وأخيراً في عدم حل الخلافات سلمياً.. وتلك بيئة مناسبة لحركات العنف.

إنما حالة الفوضى التي تستفيد منها الحركات المتطرفة هي حالة استثنائية، ولا بد أن يعود الاستقرار لهذه البلدان بحسب سيرورة التاريخ.. ولأن الحركات المتطرفة لا تستمد قوتها الحالية من تأييد الناس بل من هوامش نزاع الفصائل الفاعلة، فهي مرتهنة إلى حالة استثنائية أمدها قصير.. وما يدعم هذا الافتراض هو أن اتجاه مؤشر مختلف الإحصاءات واضح جداً، وهو: منذ عشر سنوات، ثمة تناقص خطي مستمر سنة إثر سنة لمؤيدي حركات التطرف مما أدى إلى عجز هذه الحركات على تنفيذ علميات كبرى، وصارت في مرحلة العمليات الجانبية التي تشكل مقدمة لمرحلتها الأخيرة: مرحلة الاحتضار والانتقال إلى عمليات هامشية لبقايا التنظيم أو خلايا نائمة تستمر بالنوم العميق..

alhebib@yahoo.com

كيف انخفض تأييد الحركات المتطرفة بينما زادت عملياتها؟
د.عبد الرحمن الحبيب

د.عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة