Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 30/09/2013 Issue 14977 14977 الأثنين 24 ذو القعدة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

قضايا أُمَّتنا العربية بالذات مُتعدِّدة. ومن هذه القضايا ما نتج عما سمَّته كثير من وسائل الإعلام بالربيع العربي. وفَضَّلت دائماً تسميته بالهَبَّات الشعبية. ومنذ أكثر من عامين وقضية سورية هي الأَشدُّ مأساوية وكارثية.

وكنت قد أدركت خطورتها منذ بدء الهَبَّة فيها، وقلت: إن الوضع فيها مُستحكم العُقَد؛ داخليّاً وخارجيّاً. وبَيَّنت أسباب استحكام تلك العُقَد كما بدت لي. وعند بدء تلك الهَبَّة صَرَّح رئيس النظام السوري أن سورية ليست كغيرها من البلدان العربية التي شهدت هَبَّات شعبية، وقلت: لقد صدق في هذا وهو كذوب، وأوضحت أنه عندما صَرَّح بما صَرَّح به كان من الواضح أنه واثق من قُوَّة الأسس التي هو معتمد عليها. ومع مرور الأيام اتَّضحت الحقائق أكثر فأكثر، وتَبيَّن أن قول رئيس النظام السوري لم يكن مبنيّاً على فراغ.

لقد بدأت الهَبَّة الشعبية في سورية سلمية، وظَلَّت سلمية طوال ستة أشهر. وخلال تلك الأشهر الستة ارتكب النظام السوري أفظع أنواع الجرائم؛ تقتيلاً للمسالمين؛ رجالاً ونساءً، شيوخاً وأطفالاً. وفي اعتقادي أن ذلك التقتيل لأولئك المسالمين يجب أن لا تَقلَّ إدانته ومعاقبة من ارتكبه عن إدانة الذين ارتكبوا السلاح الكيماوي في الفترة الأخيرة. والمعارضون للنظام السوري المرتكب للجرائم الشنيعة قد لجأوا إلى استخدام السلاح دفاعاً عن أنفسهم ومواطنيهم.

كانت جرائم النظام السوري تُرتكب ضد المسالمين، ولم تَتحرَّك الجهات المُؤثِّرة جدّاً في الساحة الدولية تَحرُّكاً إيجابيّاً لنجدة أولئك المسالمين، والوقوف الجاد أمام مرتكبي الجرائم الشنيعة. وكان الوضع يفرض أن تكون جامعة الدول العربية أَوْلى الجهات بالتحرُّك، لكن الأمين العام بَيَّن من مواقفه المتعاقبة أنه غير مبال بذلك.

وقد أوضحت ذلك في مقالة نُشِرت قبل سنة وثمانية أشهر بعنوان: “هل يرعى الأمين العام الأمانة؟”. ولما فشلت جامعة الدول العربية في قيامها بما كان واجباً عليها القيام به (وما أكثر فشلها مع الأسف الشديد) لُجئ إلى الأمم المتحدة، وعُهِد إلى أمينها العام السابق، السيد كوفي عنان، التعامل مع القضية السورية، ووضع عنان خُطَّة من عدة بنود غير أن خُطَّته فشلت. ولم يُحدِّد من الذي أفشلها؛ وهو النظام السوري، فأصبح واضع الخُطَّة أشبه بشاهد الزور أو كاتم الشهادة.

وبعد فشل خُطَّة عنان عُهِد إلى السيد الأخضر الإبراهيمي التعامل مع القضية السورية. وتَبيَّن من سيرته في التعامل معها أنه أسوأ من سلفيه: الأمين العام للجامعة العربية والسيد كوفي عنان. ذلك أنه برهن على وقوفه الواضح مع مرتكبي الجرائم، ترديداً لما ظَلُّوا يُردِّدونه، ويُبرِّرون به ارتكابهم لجرائمهم الشنيعة. ولقد أوضحت رأيي فيه تجاه تعامله مع ما عُهِد إليه التعامل معه في مقالة نُشِرت قبل تسعة أشهر بعنوان: “المبعوث والانحياز إلى مرتكبي الجرائم”. ومما قلته فيها: “إن موقفه مُتَّفق بشكل يكاد يكون تامّاً مع موقف رئيس النظام المرتكب للجرائم وأعوانه من زعماء روسيا وإيران، وتابعتها العراق؛ وهو إجبار المظلوم المُرتكَب ضده تلك الجرائم على الجلوس على مائدة التفاوض مع النظام الظالم المُرتكِب لها”.

ومع مرور الأيام اقتنعت بأن التباطؤ عن مناصرة الحق يكاد يكون تواطؤاً مع مرتكبي الجرائم كي يرتكبوا جرائمهم، وأوضحت ذلك في مقالة نُشِرت بتاريخ 26-7-1433هـ بعنوان: “يكاد التباطؤ يكون تواطؤاً”. وازداد اقتناعي رسوخاً، فنشرت مقالة في الشهر الأول من هذا العام الميلادي عنوانها: “التواطؤ على ارتكاب الإجرام هو الأبرز”. ومما قلته عن نهاية تلك المقالة:

“ما يُروَّج له الآن من مبادرات سياسية هنا أو هناك على ألسنة مسؤولين؛ أغلبهم لا يُكنُّون وُدّاً لأُمَّتنا، وسماسرة للمتواطئين مع المجرمين من أبناء هذه الأُمَّة؛ سواء كانت صفاتهم سوداء أو خضراء، فيه ما فيه من دلالات للتأمُّل في الأصوات”.

وقبل خمسة أشهر وعدة أيام نشرت مقالة عنوانها: “ طأطأة الرؤوس أمام تَحدِّي إيران والروس”. وفي تلك المقالة أشرت إلى أن قادة إيران أثبتوا أنهم دهاة استطاعوا أن يتعاملوا ببراعة مع الغرب المنافق، الذي كان - وما يزال - يعلن وقوفه ضدهم، واستطاعوا أن يُطوِّروا صناعتهم الحربية بالذات إلى درجة كبيرة. ومما قلته في تلك المقالة: “يَتَّضح أن الزعامة الروسية المُتوثِّبة الآن مُصمِّمة على أن تبرهن على قوتها السياسية في المسرح العالمي، وأن تَتحدَّى الغرب - وعلى رأسه أمريكا - للتسليم بهذه القوة، ورأت أن من وسائل إثبات ذلك تَحدِّيه على المسرح السوري الملتهب، فراحت تدعم النظام السوري؛ سياسيّاً وعسكريّاً.

وماذا عن الغرب وزعامته الكبرى أمريكا بالذات؟

من الواضح أن موقف أمريكا مرتبط ارتباطاً وثيقاً بموقف دولة الصهاينة المُحتلَّة لفلسطين. عند ما بدأت الهَبَّة في سورية، وأخذ النظام السوري يرتكب جرائمه الشنيعة ضد المسالمين المعارضين له، أعلنت أمريكا أن ذلك النظام - ورئيسه بشار الأسد - فقد شرعيته، وأنه لا بُدَّ من زواله أو إزالته. لكن مندوباً من الدولة الصهيونية قال في مؤتمر عُقِد في أوروبا بعد أشهر من بدء الهَبَّة السورية: إنه تَبيَّن لدولته أن لا مصلحة لها بزوال الحكم في سورية. وبعد هذا بدأ الموقف الأمريكي يتَغيَّر شيئاً فشيئاً حتى وصل إلى ما وصل إليه. ظَلَّت أمريكا تراقب ما يُرتكَب من جرائم دون أن تَتحرَّك تَحرُّكاً واضح المعالم رغم تقتيل المسالمين وتدمير العمران الحضاري. لكن بعد أن تمادى النظام السوري؛ مدعوماً بروسيا وإيران، بحيث أقدم على استعمال السلاح الكيماوي بدأت تَتَّخذ موقفاً واضحاً. لم يكن يَهمُّها التقتيل والتدمير ما دام من المضمون اقتصارهما على سورية وأهلها. لكن استعمال السلاح الكيماوي قد يَتعدَّى تأثيره الأراضي السورية إلى فلسطين المُحتلَّة حيث الصهاينة الذين تجب حمايتهم من قِبَل أمريكا. فالتحرُّك الأمريكي لم يحدث لمناصرة المظلومين، وإنما حدث من أجل الكيان الصهيوني.

ولذلك لم يكن غريباً أن تأتي نتيجة التحرُّك كما أتت: عدم معاقبة المجرم على ارتكاب جريمته؛ بل الاكتفاء بالقضاء على أداة الجريمة فقط. هذا إذا لم يستطع إخفاء بعضها. ولقد أُنفِقت بلايين الدولارات على الحصول على تلك الأسلحة الكيماوية من مال الشعب السوري، فَضيِّعت في سبيل بقاء رؤوس النظام الذين أثبتوا أنهم لا يهمُّهم إلا مصلحتهم وبقاؤهم يَتحكَّمون في أمر الشعب السوري كما يشاؤون.

وهكذا بلغ التواطؤ مع مرتكبي الجرائم حَدَّه المرسوم. والمنتصر الأكبر أمام الغرب روسيا - ومن ورائها إيران -، والرابح الأكبر في النتيجة النهائية هو الكيان الصهيوني الذي شهد تخريب سورية بأيدي المُتحكِّمين فيها من أهلها كما شهد القضاء على قوة سورية العسكرية وما ملكته من أسلحة.

بلغ التواطؤ مع مرتكبي الجرائم حَدَّه المرسوم
د.عبد الله الصالح العثيمين

د.عبد الله الصالح العثيمين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة