Wednesday 02/10/2013 Issue 14979 الاربعاء 26 ذو القعدة 1434 العدد
02-10-2013

السعودة الوهمية بين الواقع والوهم

شرفني معالي وزير العمل بالرد على مقالٍ لي كان عنوانه (شرّاب العائلة لا يصلح للبطالة)، وشرّاب العائلة لمن لا يعرفه، هو شرّاب «فري سايز» أي يمكن أن يلبسه جميع أفراد العائلة باختلاف مقاساتهم، أما ملخص مقالي فهو المطالبة بتعريف للبطالة خاص بالمملكة، حيث إنه لا يمكن أن نحل المشكلة بدون تعريف خاص بسوق العمل لدينا، وحيث إن البطالة أنواع فقد طالبت بأن يكون هناك حلول خاصة بكل نوع وأن لا يكون الحل (فري سايز) يصلح للجميع.

تواصل معالي وزير العمل عن طريق كافة وسائل الأعلام هو محل تقدير الجميع ويضيف إلى الكاتب والوسيلة الإعلامية لأنه في معظم الوقت هناك أمور خلف الكواليس لا يعلمها إلا من يعمل داخل الوزارة. وفي نهاية المطاف كلنا في سفينة واحدة ونسعى جاهدين في أي موقع كنا فيه على أن نبذل الجهد والنصيحة لتحقيق ما فيه خير لهذا البلد الكريم.

معالي الوزير أصاب مقالين بحجر في رده، فرغم أنه رد على مقال سابق الا أنه تطرق للسعودة الوهمية وهي عنوان مقالي لهذا الأسبوع. لقد ذكر معالي الوزير أن السعودة الوهمية مرض ويجب معالجته، وقبل رد معالي الوزير كان هناك تصريح نقلته صحيفة اليوم منسوب لمحافظ التأمينات السابق وعضو الشورى الحالي الأستاذ سليمان الحميد، ذكر فيه أن السعودة الوهمية مشكلة تواجهها المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وأن هذه السعودة تعطي انطباعاً للجهات العليا بأن الشركات والمؤسسات توظف سعوديين وبالتالي قد تتغير السياسات التي ترسمها في حل مشكلة البطالة. بمعنى آخر أن سياسات الدولة بخصوص البطالة إذا بُنيت على معلومات مضللة فإن النتائج ستكون كارثية. للأسف لا يوجد معلومات دقيقه عن نسبة السعودة الوهمية ولكنها وصلت في قطاع البناء والتشييد إلى 40 في المائة، والمتوقع بأن النسبة في معظم القطاعات كبيرة جداً. هذه السعودة هي فعلاً أسم على مسمى فهي وهم ولا تعالج المشكلة في الواقع.

معالي الوزير ذكر بأن السعودة الوهمية مرض ومخالفة للقوانين وتآمر من قلة من المواطنين والشركات، مع تحفظي الشديد على كلمة (قلة). كما ذكر معاليه بأن هناك من أبنائنا من استمرأ العيش بدون عمل مستفيدين من إتاوات ومخصصات يحصلون عليها من السعودة الوهمية، كما وصف معاليه بأن السعودة الوهمية ظاهرة مَرضيّة. والسؤال هنا، لماذا تفعل الشركات والإفراد هذه المخالفة رغم ما ذكر الوزير ما فيها من مخالفة للقانون وإساءة للنفس قبل الوطن، ولماذا يتآمرون، ولماذا لا يريدون أن يعملوا، وما الذي يجعل الشركة تدفع ملايين الريالات على السعودة الوهمية؟.

إجابة هذا السؤال قد توفر علينا الكثير من الوقت والجهد والمال، أما الرقابة والتفتيش كما أقترح معالي الوزير فلن يحل المشكلة بل هوا استمرار في محاولة حل مشكلة نتجت عن قرارات خاطئة، والأولى تعديل القرارات التي أنتجت هذه المشكلة. الإجابة على هذا السؤال في السابق وقبل نطاقات: هو محاولة توظيف شخص لا يرغب في العمل عند شخص لا يرغب في توظيفه، أما اليوم وبعد نطاقات فإن الوزارة تحاول جاهدة أن توظف شخص لا يريد العمل عن شخص يتمنى توظيفه. الشركات لديها مشروعات ولن تستطيع إنجاز هذه المشروعات وتحقيق أرباح إلا بوجود عمالة، العمالة مرتبطة بالسعودة، بعض السعوديين العاطلين عن العمل يرغب في وظيفة حكومية أو استلام إتاوة، مما جعل الشركات لا تجد موظفين مستعدين للالتزام بالوظيفة، وهذا أدى بالشركات إلى أن تقوم بدفع إتاوة شهرية لمن يحمل جنسية سعودية في مقابل الحصول على تأشيرات، ولذلك نتجت السعودة الوهمية.

ومادام أن هذا هو السبب فإن التفتيش والرقابة يعني إغلاق الشركات السعودية لنشاطها أو التوقف عن التوسع وطرد عشرات الآلاف من الموظفين الموجودين على بند السعودة الوهمية وربما حتى الحقيقية. لذلك الحل لا يكون بالرقابة ولا بالتفتيش.

لذلك فإن الحل يكون بالتقدير العادل لحاجة كل مشروع من العمالة ومنحها للقطاع الخاص ومساعدة الجادين في البحث عن عمل لإيجاد عمل لهم مع تدريبهم وتأهيلهم، أما بالنسبة لمن لا يرغب في العمل ولا يلتزم به فهذا شأنه ويمكن أن يتم تحويله إلى الضمان الاجتماعي أو وضعه على حافز إلى أن يجد وظيفة. وينبغي فرض قوانين صارمة تعاقب المتستر وتاجر التأشيرات، كما واقترحت في مقالات سابقة وبدل أن تقوم وزارة العمل بالتضييق على الشركات، وحيث إن الوزارة اليوم تقوم بتحصيل ما لا يقل عن 12 مليار ريال سنوياً من الشركات، ومع وجود المستشارين العالمين والمحلين العاملين لدى الوزارة، يمكن للوزارة أن تقوم بالتعاون مع القطاع الخاص و»هدف» بتأسيس شركات في قطاع الإنشاء أو التجزئة أو غيرها ويتم توظيف العاطلين عن العمل فيها.

البطالة هي علاقة بين طرفين، الطرف الأول هو العاطل عن العمل والطرف الثاني هو جهة توظيفه سواء حكومية أو أهلية.. والوزارة استطاعت أن تجبر الطرف الثاني على توظيفه ولكنها لم ولن تستطيع أن تجبر الطرف الأول على العمل والالتزام بعمله. وقبل أن تتكون هذه العلاقة بين هذين الطرفين، هناك إطراف مشاركون يساعدون في إنجاح هذه العلاقة وهم التعليم ومخرجاته والعائلة وتربيتها والاقتصاد وجعله منتجاً بدلاً من أن يكون مستهلكاً.

@BawardiK

www.bawardik.com

 
مقالات أخرى للكاتب