Thursday 17/10/2013 Issue 14994 الخميس 12 ذو الحجة 1434 العدد
17-10-2013

الثقافة المجتمعية ونظام الحماية من الإيذاء

أحسنت المملكة أخيرًا بإعلان موافقة مجلس الوزراء على استصدار نظام الحماية من الإيذاء، الذي ظلَّ حبيس أدراج البيروقراطية الإدارية ما بين مجلس الشورى ولجنة الخبراء في مجلس الوزراء تسع سنوات حتَّى صدرت الموافقة عليه أخيرًا في 26 أغسطس 2013م.

خلال هذه الأعوام وقبلها.. ذابت وتعقدت وقتلت واضطهدت مئات من الحالات لنساء وأطفال وكبار في السنِّ دون أن تتمكن الجهات ذات العلاقة من التدخل بما يحمي الضحية.. لنا في قصة الطفلة لمي أكبر دليل حتَّى وصل الحال بأن ذهبت غدرًا ضحية عنف واستغلال والدها رغم الشكوى المتكرِّرة للأم لمركز الشرطة والحال تكرّر مع عشرينية حائل التي طعنت أخاها ذا الـ26 سنة بعد أن قدّمت بلاغات متكرِّرة للشرطة حول أضرار أخيها بها (؟؟) وفي لحظة غضب هوجاء اضطرت إلى أن تأخذ القانون بيدها فخسرت أخاها وخسرت نفسها وتحوَّلت إلى قاتلة!

غياب القانون قد يحوّل إنسانًا طبيعيًا إلى قاتل لمجرَّد وجوده في المكان الخطأ وفي اللحظة الخطأ. هل تذكرون قصة مراهقة الجوف التي قتلت والدها وألقي بها في غياهب السجون الآن بعد أن تكرّرت شكواها من اعتداءات والدها الجنسية المتكرّرة عليها منذ كانت طفلة وحين وصلت إلى سنّ المراهقة لم تُعدُّ تتحمل فدافعت عن نفسها وحيدة أمام مجتمع مهمل وتحوّلت بين ليلة وضحاها من طفلة بليت بالاعتداءات الجنسية على طفولتها لسنين طويلة لتتحوّل إلى قاتلة يطبّق عليها الحدّ الشرعي؟

مثل هذه الحالات ربَّما وجدت اليوم منفذًا أقل حدّة، فالشرطة من اليوم وصاعدًا لا تستطيع أن تدير ظهرها لحالات الإيذاء باعتباره شأنًا أسريًّا كما أن المدارس لا تستطيع تجاهل علامات التعنيف أو حتَّى حالات الإهمال التي قد تظهر على أحد الطلاب، إِذْ ينص القانون على أن عدم التبليغ سيترتّب عليه دفع غرامة بما لا يتجاوز الخمسين ألفًا أو السجن؟ والحالة نفسها مع الطّبيب والمعالج الصحي الذي يلزمه اليوم وبحكم القانون الإبلاغ عن أيّة حالات إيذاء ترد إلى محيطه مع سرعة حماية الضحية وإحالتها إلى الجهات ذات العلاقة (الشؤون الاجتماعيَّة) لتوفير الحماية اللازمة حتَّى يتم دراسة الحالة، بل إن النظام ذهب أبعد من ذلك، إِذْ إن أيّ إنسان في أيّ مكان وموقع مسئولٌ عن أية حالات إيذاء يراها ولا يبلغ عنها؟؟؟؟

هذا يعني في مدرسة، في منزل، في مكان عمل، في مركز صيفي، في مسجد، في مصحة، في الشارع الخ.. ماذا يعني ذلك؟ ما الذي سيعتبر إيذاء وما الذي سيعتبره الطرف الآخر تدخلاً في شأنه؟ أتذكر مرة أنني كنت أمارس رياضة المشي فيما يسمى بممشى الحوامل في طريق الملك عبد الله ومرَّ أمامي أبٌ كان يضرب ابنه الصَّغير في رقبته من الخلف بقوة ويسبّه بطريقة مسموعة؛ لأنّه لا يردّد بشكل سليم (كما يرى الأب) السور التي كان الأب يحاول تحفيظها له طوال الممشى؟ هل سأكون مسئولة أمام القانون عن عدم التبليغ عن إيذاء جسدي ولفظي وقع أمامي؟ أتذكر في لندن أن أبًا عربيًّا ذهب لحضور مباراة لكرة القدم ووضع طفلته في حضنه وتَمَّ الإبلاغ عنه في المكان وقادته الشرطة للتحقيق خشية الإساءة الجنسية للطفلة التي قدمها من بلغ عن الأب في مكان عام!

يتضح من هذه الأمثلة المتفرِّقة أن النظام لا يمكن فقط تطبيقه هكذا دون خلق ثقافة مجتمعية داعمة وإلا فسيبقي حبرًا على ورق خاصة مع التفاوت الكبير الذي نشهده في الأحكام القضائية نظرًا لعدم تقنينها ومن ثمَّ سيكون لكل قاضٍ رؤية تنبع من ثقافته الخاصَّة ورؤيته الاجتماعيَّة والثقافية في تفسير مواد النظام مما قد لا يدفع بالضرورة لتحقيق الغايات السامية التي قصدها النظام وهي حماية الإنسان في كلِّ مكان وزمان وسيكون هناك تفاوت في فهم نوع وحجم الإيذاء، فما قد اعتبره إيذاء قد لا يراه كذلك شخص آخر يعيش بطريقة مختلفة في مكان مختلف وبتعليم مختلف والأمر نفسه ينطبق على حجم مسئولية المبلغ عن الإيذاء فإذا كان النظام يرى مسئولية المحيطين وحتى في الشارع عن التبليغ فقد يعتبر أب محدود العلم أو قليل التواصل بما يحدث في العالم أن هذا التبليغ من (أجنبي على الأسرة) تدخل في عائلته (وفي أهله) وستدخل الحمبة العائلية والنخوة والقبلية.. الخ في كلِّ هذه المداولات (لستر) ما يمكن ستره وتتواري القضية الأساسيَّة وهي حماية المعتدي عليه تحت مظلة الرؤى الثقافية المتباينة.

الإعداد لثقافة اجتماعيَّة داعمة لمواد النظام عن طريق التهيئة والندوات واللقاءات وخصوصًا للمعنيين بتلقي نتائج تطبيق النظام وهم رجال الشرطة ومن يعملون في مراكزها وهم في الغالب متوسطو التَّعليم أو معلمون في الابتدائية أو ممارسون مهنيون في بعض المؤسسات الصحية.. إضافة إلى تأكيده عن طريق الأنشطة والدورات في المدارس والجامعات.. كل ذلك بلا شكَّ سيسهم في إنجاح النظام الذي قصد منه تهيئة بيئة داعمة وحامية لكل ضعيف وعاجز أيًّا كان طفلاً أو امرأة، أو عاملة منزلية أو رجلاً كبير السنِّ.

 
مقالات أخرى للكاتب