Tuesday 22/10/2013 Issue 14999 الثلاثاء 17 ذو الحجة 1434 العدد
22-10-2013

كلمة واحدة.. معانٍ كثيرة!

من الأشياء التي استمتع بملاحظتها الفروق بين اللغات، وتحديدًا كيف أن نفس الكلمة يمكن أن يكون لها معانٍ بالغة التباين بين لغة ولغة، وهذا عكس تعابير الوجه مثلاً التي لها دائمًا نفس المعنى بين كل الأُمَم، فالتعابير التي يصنعها البشر بأوجههم للتعبير عن الغضب أو السعادة إلخ هي نفسها في كلِّ مكان في العالِمَ لا تتغيَّر أبدًا، وعرفنا هذا عندما دَرَسَ العلماء مئات الساعات من الأشرطة التي صوروها لقبائل معزولة في جزيرة غينيا الجديدة وانطبق هذا عليهم أيْضًا، فكانت نتيجة الدراسة أنَّه لا يوجد شعب يُقطّب حاجبيه عند السعادة أو يرفع زوايا الفم مبتسمًا عند الغضب. عندما أروا هذه القبائل صورًا لأمريكان عليهم تعابير الخوف والسعادة وغيرها استطاعوا تمييزها بشكلٍ صحيح.

أيْضًا مما يثبت هذه النقطة هو بعض الرضَّع الذين يولدون عُميًا ويتبسمون عندما يتواصلون مع أمَّهاتهم بالرغم من أنهَّم لم يروا أيّ ابتسامة، فهذا يثبت أن التعابير الوجهية فِطرية.

لكن الكلمات بينها اختلافات كبيرة حتَّى لو قَصدَتْ نفس الشيء، وفي موضوع سابق بعنوان «مشكلات طريفة في اللغة» رأينا بعض الأمثال التي إذا ما تُرجِمَت حرفيًّا تفقد معناها، ولا بد من معرفة معناها الاصطلاحي الذي تعارف عليه الناس، والمشكلة أنَّه ليست الأمثال وحدها هي التي يحتاج المترجم أو المتحدث بلغة أخرى أن يفهمها بل حتَّى الكلمات العادية الشائعة، وخذ مثالاً كلمة «حيوان» بالانجليزية، فهي من الكلمات التي يحتار فيها بعض المترجمين إذا نقلوها للعربيَّة، فيترجمونها حرفيًّا كما هي، وهذا يصنع الكثير من التشويش، فإذا كنت تتابع فيلمًا فربما تسمع رجلاً يتكلَّم عن صديقه الحميم ويصفه أنّه حيوان، فيأتي المترجم ويترجمها: «صديقي حيوان»! وهذا محيّر جدًا، فكيف يصف شخصٌ شخصًا عزيزًا عليه بهذه الصفة؟ بينما الحقيقة أنَّه بالرغم من أن الكلمة تعني -من الناحية الحرفية - البهيمة فإنّها اصطلاحًا تعني شيئًا آخر في اللغتين، ففي العربيَّة هي كلمة شتم وانتقاص، أما في الإنجليزية فيمكن أن تكون كلمة شتم بمعنى شخص همجي وغير متحضر، ويمكن أن تكون في نفس الوقت كلمة ثناء أيّ شخص قوي ذي طاقة عالية، وفي العربيَّة الكلمة الأصح في ذاك السياق هي «وحش» مثلاً.

وعلى نفس الوتيرة نجد مقولة تشاؤمية للكاتب الشهير مارك توين: «كلما ازددتُ، علمًا بالبشر ازددتُ حبًّا لكلبي» (أكرمكم الله).

وهذه أيْضًا من الغرائب التي مرَّت عليَّ في هذا المجال وهي كلمة «كلب»، فهذه لا شكَّ أنها من الشتائم لدى العرب.

لكن ما أثار تعجبي هو أنّه من المعروف أن الغربيين يحبون الكلاب بل ويقدسونها، ولعلّ لهم بعض الأسباب في ذلك، منها الوحدة الشديدة التي يعانون منها، خاصة بعد الثورة الصناعيَّة في القرن الماضي والثورة التقنية التي نعيشها الآن واللتين فرّقتا الناس، فصار حتَّى الأقارب لا يكادون يرون بعضهم، فلما انتشرت هذه الوحشة والوحدة وزادت الريبة وقلَّت الثقة بين الناس اتّخذوا الكلاب أصدقاء، ونظرتهم هي أن هذا الكائن وفيٌّ مؤنس مخلص، يحبك ويخدمك ولا يخونك ولا يهجرك، ولو رأى أحدهم كلبًا تضربه سيارة لآلمهم هذا أكثر مما رأوا إنسانًا يتعرض لنفس الحادث، وبالرغم من هذا فإنَّ كلمة كلب لها معنىً سلبي لديهم! فإذا وُصِف أحدهم أنّه كلب فهذا يعني شخصًا لا يقمع هواه ولا يتمالك نفسه من الشهوات والنزوات.

الكلمات نفسها، لكن الأمم تصطلح على معانٍ متغايرة.

إنها من غرائب اللغات البشرية.

Twitter: @i_alammar

 
مقالات أخرى للكاتب