Sunday 03/11/2013 Issue 15011 الأحد 29 ذو الحجة 1434 العدد
03-11-2013

الصفحة السوداء

لا تخلو بعض الرسائل التي تصل عبر وسائط التواصل الاجتماعي من طرافة ودروس وحكم، لقد تلقيت الرسالة التالية وهي حتما منقولة (لو أنني أهتم لكلام الكثير، لما عشت بخير، لكنني خصصت لهم صفحة سوداء عنوانها، على تبن يا تبن).

في هذه الرسالة دروس وطرافة:

أبدأ بالطرفة المتمثلة بالعبارة التي سوف تكتب عنوانا للصفحة السوداء “على تبن يا تبن”، فالتبن هو سيقان القمح والشعير بعد أن تهمش وتداس، في السابق كانت تداس بأقدام البقر والحمير، وتأخذ العملية عدة أيام بل أسابيع، واليوم تتم عملية (الدواس) بمكائن الحصاد التي تخرج الحب من جهة والتبن من جهة أخرى في آن واحد وفي ساعات معدودة، لتغدو تلك السيقان قطعا قصيرة جدا تعلف بها الماشية وخاصة الحمير, والتبن أيضا ما تبقى من محصول القمح أو الشعير بعد حصاده في الأرض، تأكله الحيوانات عامة.

ينصح صانع الصفحة السوداء ومقترحها كل من تعرض للكلام المؤذي، سواء أكان كلاما مكذوبا عليه، أو غير لائق بحقه، إياك أن تغضب من هذا الكلام ومن قائله، فهو أتفه من أن يثير غضبك وانفعالك، فقط حدث نفسك بأنك ستضع هذا المتكلم وأشباهه من المحسوبين على بني البشر في صفة التبن، وقل له بينك وبين نفسك: “على تبن يا تبن”، قلها أكثر من مرة، غير آسف على هذا الصنف من البشر، قلها بإصرار واحتقار: قل استبعدتك من ذاكرتي ووضعتك على كومة من التبن فهو المكان اللائق بك، لأنك لا تقل تفاهة عن التبن بل الواقع أنك أكثر تفاهة منه، لأن في التبن فائدة أما أنت والصنف الذي تمثله من بني البشر فليس له فائدة سوى صناعة الكلام المكذوب والأخبار الملفقة المؤذية، وبالتالي لا تلزمني صداقتك، ولا تهمني رفقتك، ولن تربطني بك علاقة بعد اليوم، بل أجد نفسي من دونك أكثر سعادة، فأنت وأمثالك لا تشرفني صحبتك بل أعدها نقطة سوداء بغيضة في محيط علاقاتي الاجتماعية التي تتسم بالبياض والنقاء والصفاء والصدق والبراءة من داء الكذب والنفاق.

من الطبائع المكتسبة البغيضة الملازمة لبعض البشر، إتقان المخادعة والتزلف، والظهور بوجهين متناقضين حسب مقتضيات الموقف، وجه (سفر) عند مقابلة الأصحاب والزملاء تظهر عليه علامات البشاشة والطلاقة والسماحة والود، ولسان “ذرب” حسن الكلام، جميل المنطق، ووجه (ودر) آخر لا يمت لسابقة بصلة، وجه آخر -يبدو أنه هو الوجه الحقيقي -، يتكشف هذا الوجه الحقيقي الآخر حال مفارقة الأصحاب أو الزملاء، وجه ملامحه قبيحة بشعة، ولسان سليط بذيء، يشبه المنشار في النيل من الأصحاب والزملاء ونحت سيرهم وأعراضهم، الذين طالما أظهر لهم الود والبشاشة عند المصافحة وجها لوجه.

بعض من يتعرض إلى مثل هذه المواقف، كأن ينسب له قول لم يقله، أو يتحدث أحد محبي أكل لحوم البشر بحديث مستفز ينسبه إليه، البعض يتضايق ويقلق، وتضيق الدنيا أمامه، ويضع هذا القزم الأفاق دائما نصب عينيه، يقوم معه ويقعد، يأكل ويشرب، يحمله معه على كتفه أينما حل وارتحل، ولهذا تجد المحمل نفسه ما لا يلزم من حمل تافه لا يستحق، تجده دائما مهموما مقبوض النفس، متألما منكسرا، من موقف من كان يعده صديقا حميما.

أقول للمحمل نفسه ما لا يلزم من أصدقاء النفاق، جرب مرة وضع قائمة سوداء بأسمائهم، وكلما مررت على هذه الصفحة ردد العبارة المقترحة عنوانا لهذه الصفحة، وسوف تجد نفسك كمن تقيأ أكلة ضارة، حيث يشعر بعد أن تقيأها بالراحة والطمأنينة من آلام ما كان له أن يتحملها لو لم يتقيأ تلك الأكلة.

جرب وسوف يتبين لك أن هؤلاء الأقزام أضحوا خلف ظهرك بعد أن كانوا أمام ناظريك مثل الذباب مصدر إزعاج وإيذاء وقلق.

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب