Sunday 03/11/2013 Issue 15011 الأحد 29 ذو الحجة 1434 العدد
03-11-2013

أمْسِك تلك اللحظات الصغيرة!

الكل يريد السعادة. متى ما طُرِح هذا الموضوع يُجمع الكل أنهم يريدون السعادة. لكن ما هي «السعادة»؟ تفحّصنا الموضوع سابقاً ورأينا كيف أن تعريف السعادة الشعورية يختلف من شخص لآخر، وهذه قد يدركها البعض، لكن الشيء الذي يغيب عن بال الكثير عندما يتشوقون إلى السعادة هو شيء هام: لا يوجد شيء اسمه سعادة مطلقة. السعادة التامة هي التي ينشدها الناس، ويأخذ الشخص في إزالة طبقات من الظروف والعوامل التي يظن أنها تكدر سعادته التامة، فقد يقول: لو كنت أكثر مالاً لكنت سعيداً. فإذا وسّع الله عليه يستمتع بدءاً لكن يعود لسابق حاله، فلا يشعر بالرضا التام ويقول: لو أخذت ترقية أخرى لكنت أكثر سعادة. يحصل هذا وتُرضيه بُرهة ثم يعود لوضعه، ويقول: لو كانت زوجتي أقل «نكدية» لكنت أكثر سعادة. لو كانت سيارتي خالية من العيوب التي أرهقتني بإصلاحها لكنت سعيداً. لو كان لدي بيت أكبر لكنت أكثر سعادة، وهكذا. والكثير من الناس تنسلخ عنهم هذه العوامل طبقة طبقة ولكن التحسّن المبدئي لا يلبث أن ينقشع ويعود طالب السعادة لوضعه السابق.

لماذا هذا؟ من أبرز أسباب هذا الوضع القناعة الخاطئة أن هناك شيئاً اسمه سعادة كاملة، وهذا ما لا يكون إلا في الجنة، أما في الدنيا فليس هناك سعادة مطلقة، وإنما المبدأ المهم تعلُّمُه هنا هو أن السعادة لا تكون إلا جزئية. هذا بيت القصيد وهذه هي الفكرة السليمة التي ما أن تستقر في رأس ناشد السعادة التامة حتى تريح باله وتجعله أقدر على الاستمتاع بحياته، ذلك أن المُتع الصغيرة التي تمتلئ بها الحياة هي التي تصنع السعادة -ليس السعادة التامة لكن السعادة الدنيوية-.

الذي ينتظر «السعادة» تهبط من السماء إلى حضنه واهمٌ! لكن الذي يستمتع باحتساء مشروبه المفضل صباحاً هو في سعادة لحظتها. صحيح أنها ليست سعادة كبيرة بالمعنى المفهوم ولكنها لحظة سعادة. الذي يقبّل رأس والديه يعيش لحظة سعادة. الذي يتصدق على فقير يعيش لحظة سعادة. وقل ذلك عمّن يستلقي على أريكةٍ وثيرة بعد يومٍ مُتعب، ومن يرتشف ماءً بارداً في يومٍ حار، ومن يطالع وجه محبوبه، ومن يصلّي لربه بخشوع، ومن يأكل طعاماً نافعاً لذيذاً، ومن يجري قليلاً ويمارس الرياضة، ومن يتأمل لوحة فنية جميلة، ومن يطعم حيواناً جائعاً، كل هذه يمكن أن تكون لحظات سعادة صغيرة موزَّعة على وقت الشاعر بها، فإن نظر لها هذا الشخص أنها شيء رَتيبٌ عابر لا يلبث أن ينقضي فقد فاتته لحظات مهمة أفسدها بنظرته السلبية، ومن يستمتع بها لأقصاها فإنه يفعل شيئاً مهماً: إنه يبدأ في تركيب لوحة. هذه اللوحة تتكون من قطع كثيرة متنوعة قد لا تمُتّ لبعضها بِصِلَة، ولكنها في النهاية بعد أن تجتمع فإن اللوحة تبدأ في التشكُّل: إنها لوحة السعادة.

إن السعادة الشعورية ليست شيئاً واحداً مُطلَقاً. السعادة هي الاستمتاع بمُتَع الحياة الصغيرة لأقصى درجة والتلذذ بها كل يوم قدر الاستطاعة.

Twitter: @i_alammar

مقالات أخرى للكاتب