Sunday 03/11/2013 Issue 15011 الأحد 29 ذو الحجة 1434 العدد
03-11-2013

موقف أهل الرس في الحرب مع إبراهيم باشا في نظر الرحّالة (سادلير) (ج1)

يعتبر الرحّالة الكابتن (سادلير) من أشهر المستشرقين الذين زاروا الجزيرة العربية, حيث عبر الجزيرة في عام 1819م الموافق عام 1232هـ وكان موفدا من الحكومة البريطانية في الهند من أجل تبليغ التهنئة وتقديم الهدايا لإبراهيم باشا الذي أغار في هذا العام على الجزيرة العربية من أجل القضاء على الدولة السعودية الأولى. وقد اخترق الجزيرة من الشرق إلى الغرب ومر على الرس التي كانت وقتها مسرحا للعمليات الحربية بين أهل الرس والقائد إبراهيم باشا.

وقد وصف سادلير الحرب بين الطرفين وشاهد بطولات أهل الرس في التصدي للجيش التركي.

كما كان يقوم بتوجيه إبراهيم باشا وعسكره في بعض الأخطاء التي يرتكبونها في الهجوم على قلعة الرس المنيعة ولكنه لا يجد التجاوب منهم. وقد خسروا بسبب ذلك الكثير من الرجال والعتاد والمؤن.

كما شهد سادلير لأهالي مدينة الرس بالشجاعة والقوّة وهم يدافعون عن بلدتهم المحاصرة إلى أن دحضوا القوات الغازية بعد حصار دام ثلاثة أشهر وسبعة عشر يوما مع العلم بأن عدد أهل الرس حينها (300) رجل وعدد قوات الباشا تفوق (4000) رجل فأعجزوا الجيش التركي عن فتح البلدة ومنعوهم من دخولها.

وسوف نقوم بتقديم مشاهدات الكابتن سادلير أثناء الحرب التي قدّم إبراهيم باشا فيها عجزه عن احتلال البلدة والقضاء على أهلها، ووافق على عقد الصلح بينه وبين أهل الرس بالشروط التي يرغبونها ويملونها عليه.

يقول الكابتن (فورستر سادلير) في مذكراته (رحلة عبر الجزيرة العربية) عام: 1819م الذي ترجمها أنس الرفاعي وحققها ونشرها سعود بن غانم العجمي.

ط2/ 2005م.

وقد ذكر الرس في مذكراته.

قال سادلير في (ص146) متحدثا عن حرب الباشا وأهل الرس وقد كان حاضرا حصار الرس (وغذ سعادته السير مع قواته حتى وصل تلك البلدة التي قال: إنه مصمم على أن يستولي عليها قبل أن يعطي إذنه بإقامة معسكره وقبل أن يترجل فرسانه عن خيولهم, لذلك أمر طوبشي باشا أن يدفع سلاح المدفعية إلى الأمام حتى يصل إلى بُعد ثماني خطوات عن الأسوار وأن يباشر الرشق المدفعي باتجاه أقوى المعاقل.

ونظرا لكون جنوده مكشوفين ولتعرض رجال المدفعية إلى رشق كثيف من نيران الأسلحة الخفيفة فقد تجاوز القتل في الأتراك عشرة أضعاف ما قتل من المحاصَرين الذين دافعوا عن المدينة بمعنويات عالية.

مرت ثلاثة أيام وسعادته يرشق نيران مدفعيته على هذا المعقل وعلى السور المحاذي له، الذي ذُكر أخيرا أنه خُرق, أمر بالهجوم ولكي يتمكن المشاة من عبور الخندق أمر بصنع حزم كبيرة من عيدان طويلة لفروع أشجار النخيل وملء عدد من الأكياس بالقش, ثم انتقاء ستمائة من المشاة من أجل الهجوم, فرمى هؤلاء الرجال بأنفسهم في الخندق لكنهم لم يستطيعوا أن يصعدوا إذ تبين أن حزم العيدان والأكياس لم تكن كافية وفتح العدو نارا مدمرة من فوق الأسوار على الجنود وعلى المواد السريعة الاشتعال التي تحيط بهم, وصار الباشا بمعاونة مماليكه يرمي بالرصاص كل جندي يحاول الانسحاب. وكان نتيجة ذلك أن عانى المشاة التعساء من خسائر فادحة.

وقد أصدر أمره بحرمان أولئك الذين قتلوا من حقهم من الدفن بسبب تأجج غضبه من الهزيمة. وامتد حصار رَسّ ثلاثة أشهر ونصف. وهي فترة أبدى فيها وهابيو رَسّ فنا وعلما أكثر مما أبداه القائد التركي.

كلفت بطاريات المدفعية التي شكلها الباشا اثنين وخمسين ألف كراون ألماني, واستهلكت أحمال أربعمائة جمل من ذخيرة البنادق لإطلاق النار إلى داخل البلدة. ورمى رجال المدفعية ثلاثين ألف قذيفة بلا جدوى.

شيدت منصات من أشجار النخيل إلى ارتفاع مناسب يمكّن الجند من الرمي إلى داخل البلدة وقُرّب المدفع بحيث لامس حافة الخندق. ثم جربوا هجومين آخرين لكن عدوهم استطاع أن يصدهم في المرتين ويُفقدهم عددا كبيرا من الرجال.

وعندما رأى الباشا أنه عاجز عن إنجاز مهمته اضطر أخيرا إلى الدخول في مفاوضات وإلى رفع الحصار.

لم يُسمح لجندي من جنوده بالتغلغل في المدينة, وسمح لهم بشراء كل ما يحتاجون إليه من السكان. بينما تبقى الرس في حالة حياد إلى أن يتقرر مصير عنيزة.

قتل في هذه المعركة تسعمائة تركي وجرح ألف وآلت بهم الأمور إلى محنة شنيعة. أما المحاصرون من سكان الرس فقد فقدوا خمسين قتيلا فقط وسبعين جريحا. وحالف حظ طيب حاميتين كانتا تنقلان كميات كبيرة من المؤن بالوصول بسلام.

وهذا يدل بلا شك على قلة اليقظة والاحتراس من جانب الأتراك لأن المنطقة منبسطة ومكشوفة بكاملها.

وقد أكّد سكان رَسّ أن التراب الأصفر الذي شيدت منه أسوارهم يتميز بالالتصاق والتماسك السريع إلى درجة أن قنابلهم لم تؤثّر فيه)أ.هـ.

أقول: ثم أورد المؤلف سادلير (ص 283) إحدى الوثائق المهمة في حرب إبراهيم الباشا لأهل الرس وهي تبين قوة باس أهل الرس في الدفاع عن بلدتهم أمام الباشا وتسمى (الوثيقة الثالثة) وبيانها كالتالي: مصدر الوثيقة: دار الوثائق القومية - القاهرة.

وحدة حفظها: محفظة (5) بحر برا.

رقمها في وحدة الحفظ (15).

تاريخها: 23 محرم 1232هـ/ 3 ديسمبر 1817م.

موضوعها: حول العلميات في الرس وعنيزة.

ونص الوثيقة: يعرض عبدكم (حيث إن أفندينا ولي النعم, كثير الكرم, حضرة صاحب الدولة والعناية والعطوفة إبراهيم باشا, نجل ولي النعم, حاصر «قلعة الرس» منذ اليوم الخامس والعشرين من شهر شعبان المبارك وأن القلعة المذكورة ذات متانة زائدة, كما أن عدد الملاعين الذين فيها كثير, ثم صار ذلك معلوما لعبدكم, فقد طالت أيام الحصار.

وبينما كنت قلقا في حالة لا يقر لي معها قرار ومنتظرا ورود خبر, من طرف أفندينا المشار إليه بسبب وجود ابن سعود المعدوم العافية, في قرية عنيزة التي تبعد عن القلعة المذكورة بمسافة اثنتي عشرة ساعة وترصده للفرصة, علمت من مآل المكاتبة الواردة من طرف أفندينا المشار إليه.

بعودة عبدكم جليك مصطفى آغا.

الذي كان أرسل سابقا بالجبخانة والمهمات, إذ بعد الزحف الواقع فيما تقدم رتب أخيرا زحفا آخرا برغبته بالعساكر.

وبينما عدد من العساكر دخل إلى الداخل كان جميع المحصورين الذين يؤلفون عددا كبيرا من الطائفة المكروهة في المحل الذي جرى الزحف عليه, وأنهم منعوا جنود الموحدين برصاص البنادق, وهللت كثير من العساكر وعليه لم يحصل التوفيق في فتح القلعة المذكورة في هذه المرة أيضا.

وبالنظر إلى ما قرره عبدكم جليك مصطفى آغا المذكور, علم أن أفندينا المشار إليه استل سيفه عندما أدرك ارتداد العساكر إلى الوراء.

لكونهم ضربوا كثيرا برصاص البنادق أثناء الزحف, وبينما كان هو زاحفا بالذات تعلق به الخازندار والبعض من التوابع الخاصة, ومنعوه من ذلك, كما أنهم استأذنوه بأن يقوموا هم بالزحف, ثم إنه وإن كان المشار إليه إذن لجميع الأغوات الموجودة وسيرهم بالزحف.

إلا أن ذلك لم ينتج بالفائدة وعليه فإن العساكر دخلوا في المتاريس, لأنهم كانوا مضروبين بدرجة زائدة وقد بلغ عدد الشهداء والمجروحين من هؤلاء العساكر خمسمائة نفر.

وجرح خازندار أفندينا المشار إليه والحاج علي آغا, وأطه لي إسماعيل آغا وجولاق حسين آغا الدرمللي من الرؤساء.

وعدد مقدار خمسين من الرؤساء الصغار, فالمولى سبحانه وتعالى يهب مولانا السلطان ومولاي ذو الرحمة وأفندينا المشار إليه عمرا طويلا.

هذا ولقد جعلت هذه المسألة عبدكم غريق الغم والألم.

إذ إني قرأت أمر ولي النعم بالدموع السائلة من عيني.

وفي اليوم التالي ذهبت إلى مرقد أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه, ودعوت لأفندينا المشار إليه ولجنود الموحدين الذين في معية دولته, والآن جاري الاستمرار في الدعاء ليكون أفندينا المشار إليه منصورا, وذلك بإعطاء عطايا في التكايا في سبيل تلاوة التوحيد سبعين ألف مرة.

فالمولى مسهل الأمور يجعل في العهد القريب مولانا السلطان ومولاي ذو المرحمة وجميع عبيدهما مسرورين, بفوز وانتصار أفندينا المشار إليه آمين)أ.هـ.

للحديث بقية من التفصيل.

الرس

مقالات أخرى للكاتب