Sunday 10/11/2013 Issue 15018 الأحد 06 محرم 1435 العدد
10-11-2013

الجيش الحاصد

لعل أشهر قصص الأنبياء في القرآن قصة موسى، فلم تأتِ قصة أخرى كما أتت هذه، وذكرها الله سبحانه في مواضع كثيرة، ومن أبرز أوجه القصة البلايا التي نزلت بفرعون وقومه لما تمادوا في الكُفر والطغيان، فكان الله يؤدبهم بأنواعٍ من المِحَن الصغيرة حتى يعودوا للحق، وهذه ذَكَرَتها الآية 133 من سورة الأعراف، فقال سبحانه: «فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ»، فالطوفان أشهر معانيه هو الماء الكثير المُهلِك للزرع، ويذكر المفسرون أن موسى كان في مجلس فرعون يناصحه بعد بعض هذه العقوبات التي لم يستجب لها فرعون وعاد لحربه ضد الله وأهل دينه، وأثناء المجلس سمعوا نقيق ضفدع فقال موسى للطاغية: كيف لو أنَّ هذا سُلِّطَ عليكم؟ فضحكوا ساخرين وهتف فرعون: وماذا يقدر هذا أن يفعل بنا؟ فتكاثرت الضفادع تكاثراً هائلاً وملأت كل شيء، حتى أن الرجل يفتح فمه ليتكلم فيقفز الضفدع في فمه! وأما القُمَّل فليس قَمْل الشّعر المعروف وإنما هو سوسٌ يصيب الثمار فيتلفها، وكان اقتصاد مصر آنذاك قائماً على الزراعة، ومن هنا كان بلاء الجراد أيضاً من أشدها عليهم، فمثل الضفدع فالجرادة كائن صغير يحتقره الناظر، ولكن إذا اجتمعوا كانوا قوةً ضاربة، فلما عادت زروع مصر وكَثُر الخير عند الطغاة وفرحوا بها نزلت جيوش الجراد على المحاصيل فأبادتها عن بكرة أبيها في منظرٍ مدهش لم يُرَ مثله من قبل.

غير أن هناك مشاهد تساعدنا على تخيّل ذاك المنظر، وقد تكوَّن مشهدٌ عجيب عام 1875م (1292هـ) لا أظن شخصاً يريد أن يراه. هذه السنة كانت من موسم هاجم فيه الجراد مناطق كبيرة في الولايات المتحدة و بعض أجزاء جارتها كندا، والمعروف أن الجراد إذا هاجم المحاصيل الزراعية فإنه يُحدِث ضرراً بالغاً، وهذه الهجمة كما هو متوقّع أضرت المحاصيل وأخسرت الدولة، لكن ما يهمنا هنا هو حجم هذه الهجمة، فهذا القطيع الجرادي بلغ من العدد والضخامة شيئاً لا نعلم أنه مر مثله في التاريخ المعاصر، حتى أن هذا الجيش الجرار دخل موسوعة غينس القياسية كأضخم هجمة جراد نعرفها. كم بلغ حجمها يا ترى؟ حسب التقديرات فإن مساحة الجراد وصلت إلى خمسمائة وعشرة آلاف كيلومتر مربع أي قرابة رُبع مساحة المملكة، حوى هذا الجيش أكثر من اثني عشر تريليون جرادة (1 تريليون = مليون مليون، أي واحد ويمينه 12 صفراً)، وقارَب وزن هذه الأمة العظيمة 28 مليون طن وهاجمت عدة ولايات في الغرب الأمريكي منها كولورادو وكانساس ونبراسكا، وكما نرى فهذا جيش مريع لا يكاد يتخيله العقل، وهذه الضخامة لها من الضرر ما يناسبها، فلما انتهى الجراد من التهامه للمحاصيل قُدِّر الضرر الذي لحق المزارعين بمائتي مليون دولار أمريكي، وأُسدِل الستار على هذه القصة الغريبة بعد 30 سنة بعد أن انقرض هذا النوع المدمّر من الجراد للأبد.

سبحان الله! كيف تتكبّر يا إنسان بعد هذا؟ حتى أتفه الحشرات تقدر أن تُفسد عليك حياتك!

Twitter: @i_alammar

مقالات أخرى للكاتب