Friday 15/11/2013 Issue 15023 الجمعة 11 محرم 1435 العدد
15-11-2013

شعر الخوارج السياسي

خرج عبر التاريخ أقوام بإرادتهم، أو بسوء اجتهاد منهم، عن جادة الحق الذي أنزله الله على رسله لإبلاغه للناس، أو حتى ذلك الحق المطابق للمنطق الإنساني، والاجتهادات الفكرية، التي اتفق عليها الناس في المجمل، وتعارفوا على أنها تحفظ للناس دماءهم، وحقوقهم المادية والمعنوية، فالأديان ومعظم الفلسفات تجمع على أن الغدر، وقتل الناس دون حق، والكذب، والنفاق، والتكبر، وغيرها من الصفات غير الحميدة ضد الطبيعة البشرية، كما تتفق الأديان ومعظم الفلسفات على التمسك بمكارم الأخلاق، مثل الصدق، ومساعدة الفقير، والكرم، والتسامح، والتواضع، وغيرها من الصفات الجليلة.

والدين الإسلامي الحنيف الذي جاء به رسول الهدى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم منزلا من ربه، كان جامعاً لمكارم الأخلاق، ناهياً عن مساوئها، وقد أغلظ في تحريم دماء المسلمين وغير المسلمين، بغير حق واضح جلي، وجعلها من أهم قواعده الأساسية ليعيش الناس في وئام وتكافل، ولا يتم ذلك إلاّ باتباع الوسطية الحقة، وعدم الانزلاق في الأفكار التي قد تقود الإنسان إلى تجاوز الحق بمراحل كثيرة، اتباعاً للهوى، أو تجديفاً، أو تزامنا يفضي إلى وهم يحمل صاحبه خارج نطاق المعقول، فيخرج عن تلك الحدود التي رسمتها الإنسانية عبر تاريخها المديد، واتفقت على أنها الأفضل لتميز البشر عن غيرهم من المخلوقات لتمتعهم بالعقل الذي يعتبر نعمة عظيمة وجليلة حباها الله للإنسان ليميز الخبيث من الطيب، ويحسن الاختيار، ويسلك به سبيل الرشاد، وهذه خاصية للإنسان يجدر به استخدامها الاستخدام الأمثل حتى يصل بإنسانيته إلى درجة أكبر بكثير من غيره من المخلوقات المعلومة لديه، والسائرة بين يديه، أو الطائرة في السماء، أو السابحة في البحر، تلك التي يراها أو التي لا يراها.

والإسلام عندما انبثق نوره في جزيرة العرب، وشع في أقطار الدنيا بسرعة فائقة حتى وصل إلى الصين في عهد الخليفة عثمان بن عفان- رضى الله عنه-، أو قبل ذلك كما يقول بعض الرواة، ووصل إلى الهند والسند وأوربا وغيرها من العالم المعروف في ذلك الوقت، كان خيرا كله للبشرية أجمع، فجمع مكارم الأخلاق ونهى عن التطرف، وتكفير الناس، وإخراجهم من الدين، لكن بليت البشرية ومنها الأمة الإسلامية بخروج فئات بين الفينة والأخرى، تتجاوز الحق في تطرفها، وترى حسناً ما ليس بالحسن، وإن كان المدبرون في أغلب الأمر يعرفون الحق، لكنهم يستخدمون لبلوغ غاياتهم، أدوات غير سوية أو مندفعة بعاطفة جياشة، أو متمسكة بأوهام عشعشت في عقولهم عبر التاريخ.

والخوارج فئة من تلك الفئات التي ابتليت بها الأمة الإسلامية في فترة من فترات حياتها المديدة، ولن أسترسل في الحديث عنها حتى لا أخرج عن موضوع المقالة، لكن سأومئ إيماءة إلى بعض شعرهم السياسي وإن كان قليلا رغم شاعريتهم، وقد يعود قلة ذلك إلى أنهم لم يكونوا مقبولين سياسيا واجتماعيا سواء في عصر الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أو في عصر بني أمية أو حتى عصر بني العباس، وهو العصر الذي ظهر فيه تدوين الشعر والأدب، وحتى جمع الأحاديث النبوية الشريفة وتدوينها، وهم بطبيعتهم لا يدونون شعرهم، لكن تتلقفه الآذان، وتتناقل ما حسن منه الألسن، ولولا أن المبرد جمع في كتابه الكامل معظم شعرهم لما وصل إلينا منه إلاّ النذر اليسير المتناثر بين طيات الكتب.

ومن شعرهم الذي ينبىء عن شدتهم وحماسهم لمذهبهم غير الحق قول أبي حمزة، وهناك من ينسبه إلى أم حكيم:

أحمل رأساً قد سئمت حمله

وقد مللت دهنه وغسله

ألا فتى يحمل عني ثقله

وها هو قطري بن الفجاءة، وهو يتحدث عن أم حكيم مفتخراً بقتله للمسلمين الذين سماهم كفاراً:

فلو شهدتنا يوم ذاك وخيلنا

تبيح من الكفار كل حريم

وكلنا يعلم أن هؤلاء الشعراء هم من زعماء الخوارج الشجعان في غير حق وهذا أحدهم يقال له مرداس يقول:

ويسر لنا خيرا ولا تحرمنا

لقاء بذوي الإلحاد في عدد دثر

ومفردة دثر، تعني كثيرا، فمن العجب أن يصل التطرف بمرداس أن يدعو الله أن ييسر له خيرا بقتله المسلم، بدلاً من دعائه الله أن يريه الحق حقا ويرزقه اتباعه، لكنه الغلو الذي يجر صاحبه عن جادة الصواب في كل زمان ومكان.

نسأل الله أن يثبتنا على الحق، وأن يهدينا سبيل الرشاد.

مقالات أخرى للكاتب