Tuesday 26/11/2013 Issue 15034 الثلاثاء 22 محرم 1435 العدد
26-11-2013

الجلسة الأخيرة مع المرحوم د. محمد الرشيد

مؤلم أن يكون رحيل من تغليه بشكل مفاجئ فيعظم الوجع!.

هذا ما أصاب محبي الراحل الغالي د. محمد بن أحمد الرشيد، الذي عهدناه بكامل حيويته، وتمام عافيته.. وإذا بالخبر يصل إلينا -كالصاعقة- بمغادرة مفاجئة فاقت خيالنا.

لكن عندما نتذكر قول مالك الأعناق والأرزاق لا نملك إلا الطمأنينة والرضا بالقدر {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً} [آل عمران الآية 145].

عندها لا ندم ولا أسى بل رضاء وتسليم و:

((إذا قضى الله فاستسلم لقدرته

ما لامرئ حيلة فيما قضى الله))

لقد كنت بين موقفين وأنا أتلقى خبر رحيله رحمه الله:

الأول كنت في ذات الليلة التي رحل فيها ناوياً زيارته في جلسته الأسبوعية التي يعقدها مغرب كل سبت ولكن حصل لي طارئ فلم أتمكن فعقدت العزم على زيارته مساء السبت القادم ، ولكن كان القدر أسرع وأسأل الله الذي حرمني وحرم أحباءه من لقائه بالدنيا ألا يحرمنا لقاءه بجنة المأوى.

أما الموقف الثاني فهو: آخر زيارة له بجلسته ما قبل السبت الماضي، ولم أره - رحمه الله - مثلما رأيته بتلك الجلسة.. بحالة من اللطف والبشاشة التي عُرف بها، لكن كان في تلك الجلسة مفعماً بهما بشكل كبير، وكان - كعادته - مهموماً كعادته بأمرين: التربية والحفاظ على اللغة العربية.. وكان أكثر حوار تلك الجلسة عن اللغة العربية وغربتها والحفاظ عليها وقناعته أن تكون اللغة العربية هي الأساس والمرتكز بكافة مناهج التعليم العام والعالي، وأن تأتي اللغة الإنجليزية: لغة ثانية، واعتراضه الشديد على تدريس بعض المناهج باللغة الإنجليزية كما هو حاصل الآن في بعض مدارس التعليم العام - مع الأسف.. لقد كان يتحدث رحمه الله وقتها وهو يفيض غيرة وشجنا وحباً لرمز هويتنا ولغة قرآننا.

كم سيفتقد محبوك هذه الجلسة التي تضفي عليها من صفائك وحوارك وتقديرك لزائريك وطرفك التي تؤنس بها الحضور رحمك الله.

من خصاله الجميلة أنه عف اللسان لا يذكر أحدا بسوء حتى الذين قسوا عليه بالنقد لم يحمل عليهم أو يسيء إليهم كان واصلا مع الجميع, وكان آخر صلة قبل رحيله بساعات زيارته منزل د. أسامة عبدالرحمن رحمهما الله جميعا حيث عزى أسرته وأولاده, ولم يكتف بهذا فعندما عاد من العزاء كما روى لي أحد أصدقائه المقربين م. عبدالله حمد الفوزان أوصى ابنه أحمد بزيارتهم وأكد عليه ذلك د. محمد الرشيد: رقم بارز في مسيرة التربية والتعليم وخدمة الأجيال.

لقد أعطى ذوب عمره ونضارة شبابه ونظر عينيه لهذه الرسالة: طالباً ومعلماً وعميداً ومديراً ووزيراً.

كان ينبض بالحماس لهذه الرسالة التربوية ويعرف ذلك كل من يجالسه أو يعرفه ، كان أكثر ما يريحه الحديث عن الشأن التربوي، وعمل على إضافة الكثير لمنظومة التعليم والتربية عندما كان وزيراً ونجح في الكثير، وأخفق بالبعض بسبب ممانعات ليست مبررة.. وبسبب الظروف المالية لكن حسبه - رحمه الله (أنه صحّ منه العزم والدهر أبي!).

أبو أحمد كما يناديه الكثيرون كانت له أهداف نبيلة سعى من أجلها، وقد جعل لرسالته التربوية شعاراً عظيماً (وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة)!.

أذكر له عبارة بالغة التأثير عندما قال: (مع الأسف ما نبنيه بالتعليم بالنهار يهدمه الإعلام بالليل).

وقد صدق.

لقد جعل رحمه الله هموم التعليم قريبة من الناس، وصار صديقاً للمعلمين الذين هم أساس العملية التربوية، وكان قريباً من الطلاب والشباب الذين هم هدفها.

أدعو سمو وزير التربية والتعليم وفاء للراحل ولما قدمه لمسيرة التعليم وتربية الأجيال - أدعو إلى تسمية مجمع تعليمي باسمه ومجمع آخر بمسقط رأسه, وقد وجدت لهذه الفكرة تفاعلا وتأييدا عندما طرحتها بتغريدة بتويتر.

ختاماً: من صلى بالجامع عليه, وحضر المقبرة شاهد هذا العدد الكبير الهائل الذي حضر للصلاة عليه, ورأى هذه الجموع في جنازته أدرك وفاء الناس له كما كان وفيا لهم فالناس شهود الله بأرضه, وهو لم يكن في منصب يرتجي لكنه الحب له, والوفاء لهذا الرجل الذي يستحق الوفاء.

بقي أن أدعو إخوته وفي مقدمتهم صفيّه ورفيق حياته د. عبدالله, وأدعو أبناءه وبناته وحرمه أن يستمروا بالسير على نهجه بالتواصل والبر وحب الخير والكلمة الطيبة.

أسأل الله أن يجعل قبره روضة من رياض الجنة وأسأل الرحمن الذي جمعنا على محبته أن يجمعنا وإياه في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

طبت - أبا أحمد - حياً وميتاً.

hamad.alkadi@hotmail.com

فاكس: 4565576 ---- تويتر @halkadi- أمين عام مجلس مؤسسة الشيخ حمد الجاسر الثقافية

مقالات أخرى للكاتب