Tuesday 26/11/2013 Issue 15034 الثلاثاء 22 محرم 1435 العدد

نحو خطة عمل لإصلاح منظومة التربية والتعليم والبحث العلمي

منتدى فاس السنوي يختتم دورته العاشرة حول تحالف الحضارات والتنوع الثقافي والشراكة الأورومتوسطية

فاس - الجزيرة:

نظم المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الإستراتيجية والدولية والذي مقره بفاس المغربية وجامعة سيدي محمد بن عبدالله بتنظيم مشترك وبتعاون مع عدة شركاء مغاربة وأجانب بتاريخ 22-23 نوفمبر منتدى فاس السنوي في دورته العشرة حول تحالف الحضارات والتنوع الثقافي والشراكة الأورومتوسطية في موضوع: «عن المستقبل العربي المنشود: نحو خطة عمل لإصلاح منظومة التربية والتعليم والبحث العلمي» وبتنظيم مشترك وتعاون مع عدة شركاء مغاربة وأجانب؛ وكل مرة يتطرق منتدى تحالف الحضارات السنوي إلى موضوع آنيّ عليه مصالح البلاد والعباد ويستدعي كوكبة متخصصة من المفكرين ورجالات الدولة والجامعيين والأكاديميين ورجال الدين والثقافة، وينظم في مدينة فاس الغراء التي كانت ولا تزال تراثا علميا بامتياز، وقطبا جامعيا وعلميا وثقافيا وأكاديميا لا يعلى عليه.... كما أن الموضوع الذي اختير لهاته السنة هو موضوع الساعة وهو الاستثمار في التربية والتعليم والبحث العلمي وهي مكونات معادلة توازنية واحدة؛ فالوطن العربي بحاجة إلى إعادة النظر في هاته المنظومة مجتمعة وهي التي لوحدها تحقق التنمية والتنمية الهادفة فالمطلوب من العالم العربي الآن هو البحث عن قاعدة تعليمية صلبة ومتمكنة، وهذا يستلزم جهدا كبيرا من كل المعنيين بشأن التعليم لمعرفة مدى ملائمة المناهج التربوية والنظام التعليمي المسطر مع الأهداف المرسومة والإستراتيجيات المرجوة، وهذا العمل يقوم به باستمرار مثلا القائمون على الإدارة التربوية العامة في أمريكا وفي اليابان، خاصة إذا استحضرنا نسبة الأمية التي تصل في بعض الأقطار العربية إلى 60 في المائة في حين أن هذه النسبة تنعدم في الدول الصناعية، كما أنه ليس لدينا أي تصور في إعداد وإيجاد الحلول للمشاكل المستعصية في السياسات التعليمية.

وهذا الجانب يحيلنا على معادلة أخرى وهي التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي في عالمنا العربي؛ والتنمية المستدامة هي التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحالي دون الإضرار بقوة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الخاصة وهي ترتبط ارتباطا وثيقا أيضا بالنمو الاقتصادي.

وتظهر دراسة المشهد العلمي فيما بين 1996 و2013 اضطرابا لا مثيل له في تصنيف أحسن المدن في نشر العلم في العالم. وهكذا، فقد حسنت كل من نانجين Nanjing وشنغهاي Shanghai وساو باولو Sao Paulo من رتبتها بنسبة 20، وسيول Seoul وطايبي Taipei بنسبة 10 إلى 20 رتبة، هونغ كونغ Hong-kong وبيجينBeijing بنسبة 5 إلى 10 رتبة، في حين تراجعت أو ظلت في مكانها كل من لندن وباريس ونيويورك وبسطن وتورونتو وبرلين وموسكو.

فبفهم جيد واستيعاب لهذا التصنيف، يمكن لقادة الجامعات طرح السؤال الأساسي الذي يواجه كل جامعة تطمح للعالمية، ويتعلق الأمر بكيفية ضمان حضور فعال في الدائرة العالمية للمعارف، حيث دون هذا الحضور ستظل المعارف المنتجة محلية، وطنية أو جهوية، وستظل، بالتأكيد، هذه المعارف مفيدة في المكان الذي أنتجت فيه لكن نشرها سيظل محدودا. لكن، كيف يمكن لهذه المعارف أن تساهم في تطوير الاقتصاد المحلي والجهوي أمام المنافسة الشرسة في إطار عولمة اقتصاد المعارف؟ كل شيء يتعلق بطرح السؤال الأساسي التالي: ما هي جامعة القرن الواحد والعشرين؟ وهذا السؤال هو واحد من المواضيع التي يتطرق إليها المؤتمر..

فتطور الجامعة يكمن في استجابتها الفعالة ودون تخوف من التحديات التي تطرحها كل من:

1- العولمة

2- التدويل

3- تكتل التعليم العالي

4- تقدم تقنيات المعلومات والاتصال

5- تسويق المعرفة

وتطرق المنتدى إلى عدة محاور نذكر على سبيل المثال: أية جامعة للقرن الواحد والعشرين؟، آفاق الاستثمار في العامل البشري، النظام العربي وتحديات الغد، التغييرات السياسية في العالم العربي والتشييد المؤسساتي بين المنظور والتطبيق، الشباب وتحديات الغد، كيف نكون أجيال الغد من خلال التربية والتعليم؟

وشارك في هذا المنتدى عدة شخصيات وطنية ودولية ينتمون إلى كل القارات بما فيهم الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير جريدة الجزيرة

والمتدخلون توقفوا مطولا عند آليات منظومات التربية والتكوين والتعليم والبحث العلمي، ولكن توقفوا عن حق عند التغيرات السياسية في العديد من الأوطان العربية والطريق الخاطئ الذي تبعته بعض الدول وعدم وقوفها عند أولويات المرحلة وعلى رأسها الاستثمار في العامل البشري...

كما أن بناء الثقة مبدأ سام في بناء الدولة والمؤسسات، فبدونه يمكنك أن تكبر أربعا على وفاة الدولة؛ والعالم العربي في حاجة إلى تطوير التعليم لأن نهضة الأمم تكون بالعلم ولنأخذ مثال الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكوريا الجنوبية حيث نجد أن البحث العلمي المتقدم وجودة التعليم هما أساسان في قوة الاقتصادين وهيمنتهما؛ وتشير معظم التقارير الصادرة من البنك الدولي إلى مستوى التعليم المنحط في عالمنا العربي؛ وهكذا تشير التقارير إلى أن:

1- مستوي التعليم في الوطن العربي متخلف بالمقارنة بالمناطق الأخرى في العالم.

2 - يحتاج نظام التعليم العربي إلى إصلاحات عاجلة لمواجهة مشكلة البطالة وغيرها من التحديات الاقتصادية.

3 - على الرغم من أن معظم الأطفال في العديد من الدول العربية استطاعوا الاستفادة من التعليم الإلزامي، وتقلصت الفجوة بين تعليم الجنسين؛ إلا أن الدول العربية ما زالت متخلفة عن كثير من الدول النامية في هذا المجال.

4 - خصصت الدول العربية 5 % فقط من إجمالي الناتج المحلي، و 20 % من إجمالي الإنفاق الحكومي على التعليم خلال الأربعين سنة الماضية.

5 - توجد فجوات كبيرة بين ما حققته الأنظمة التعليمية في العالم العربي، وبين ما تحتاجه المنطقة في عملية التنمية الاقتصادية.

6 - وأشار التقرير إلا أن أحد أسباب ضعف العلاقة بين التعليم وضعف النمو الاقتصادي هو انخفاض مستوى التعليم بشكل كبير.

7 - وذكر التقرير أنه رغم كل الجهود العربية للقضاء على الأمية، مازال معدل الأمية في الوطن العربي يماثل المعدل في دول شرق آسيا وأمريكا اللاتينية.

8 - وخلص التقرير إلى أن جميع البلدان العربية تحتاج إلى مسارات جديدة في إصلاح أنظمتها التعليمية؛ من أجل الحوافز والمساءلة العامة، إلى جانب اتخاذ الإجراءات الفاعلة لتحسين مستويات المخرجات التعليمية إلى سوق العمل.

فالمطلوب من العالم العربي الاَن هو البحث عن قاعدة تعليمية صلبة ومتمكنة، وهذا يستلزم جهدا كبيرا من كل المعنيين بشأن التعليم لمعرفة مدى ملاءمة المناهج التربوية والنظام التعليمي المسطر مع الأهداف المرسومة والاستراتيجيات المرجوة، وهذا العمل يقوم به باستمرار مثلا القائمين على الإدارة التربوية العامة في أمريكا وفي اليابان، خاصة إذا استحضرنا نسبة الأمية التي تصل في بعض الأقطار العربية إلى 60% في حين أن هذه النسبة تنعدم في الدول الصناعية، كما أنه ليس لدينا أي تصور في إعداد وإيجاد الحلول للمشاكل المستعصية في السياسات التعليمية.

وهذا الجانب يحيلنا على معادلة ثانية وهي التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي في عالمنا العربي؛ والتنمية المستدامة هي التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحالي دون الإضرار بقوة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الخاصة وهي ترتبط ارتباطا وثيقا أيضا بالنمو الاقتصادي.

على العالم العربي أن يمأسس لنظم اقتصادية وتنموية متماسكة وأن يدمج شعوبه في عملية التنمية وفي سيرورة سياسية واجتماعية واقتصادية مندمجة تقوم بتحسين شروط الحياة بشكل دائم ومستمر وتقوية مختلف المجالات المجتمعية بما فيها الاقتصادية والبيئية... فهي استثمار لكل الموارد من أجل الإنسان.

وإذا كنا نتحدث هنا عن النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة فحري بنا أن نتحدث أيضا عن النمو التشاركي والتنمية التشاركية والمبنيتان على المقاربة التشاركية؛ فشركة الطيران الفرنسية الإيرباص والتي مقرها بتولوز الفرنسية لا تصنع الطائرات لوحدها وإنما صناعتها نتيجة تعاون مع عدة دول أوربية مشتركة؛ فلماذا نحن العرب لا نخلق شركات عربية تساهم في الالتحاق بالركب الصناعي العالمي ولنا من الإمكانات البشرية ما يخولنا لذلك؛ والمبدأ المركزي في النمو والتنمية التشاركية هو تقاسم المعرفة وسلطة اتخاذ القرار وتقاسم الإمكانات المالية، وكل هاته المعايير موجودة في عالمنا العربي.

إن وطننا العربي له كل الإمكانيات المطلوبة ويكفي زيارة شركة الإيرباص أو شركة بوينغ أو شركة رونو وفولفو لصناعة السيارات حيث ستجد العرب يشتغلون في كل جزئيات التصنيع والتخطيط والتسيير وإذا ساءلتهم فستجد عندهم رغبة أكيدة لاستثمار معارفهم خدمة لبلدانهم ولوطنهم العربي؛ فأنا أدعو من خلال هاته الكلمات إلى سياسة عربية موحدة تمكن من انبثاق ونمو وإدخال كل الطاقات البشرية العربية في مجال التنمية التشاركية ونكون بذلك قد حققنا وسائل للتغيير نحو الأنماط المجتمعية التي تسمح لها، ليس فقط بتحقيق القيم الإنسانية المثلى، بل وأيضاً زيادة قدرتها على التحكم والسيطرة على نمو المجتمع. فالتنمية عملية شمولية تتكامل فيها العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وهي بالتالي عملية مخططة ومحكمة تحدث تغييراً جذريّاً في بناء اقتصادي قوي؛ كما تكون السياسة التنموية تعبيراً عن آراء المواطنين واستجابة لحاجياتهم؛ وتنفذ تلك التنمية موازاة مع تشريعات ضامنة وجريئة وسلطة قضائية مستقلة عن الجهازين التنفيذي والتشريعي، ومؤسسات قوية، وتفعيل مبدأ المساءلة والشفافية المطلقة والتداول السلمي للسلطة من طرف أحزاب متشبعة هي نفسها بقواعد الديمقراطية وبمجتمع مدني نشيط.

وخرج المنتدى بعدة توصيات لعل أبرزها:

1) إن المرحلة الراهنة التي تمر منها الدول العربية مرحلة صعبة، وتحتاج إلى بناء الثقة داخل الدولة وبين الأفراد والأفراد والمؤسسات.

2) إن المحور الذي يدور عليه كنه النجاح أو الفشل هو عامل الثقة الذي يغرسه حاملو لواء التغيير في المجتمع، فإذا كثر الشك ونمت بذوره، عمت الفوضى وفقدت الفضائل السياسية من المجتمع جملة واحدة ولا تزال في انتقاص إلى أن يصبح استحكام قواعد الديمقراطية أمرا صعبا بل مستحيلا.

3) إن تحطيم قواعد الدولة الفكرية والمادية، وإزالة عناصر القوة والتوحد، وإزالة النسيج الداخلي المالك لمقومات الأمن والاستقرار، وتنفيذ القوانين والعدالة، هو لضياع للوقت في بناء المؤسسات واستتباب الأمن.

4) على الدول العربية التفكير في أولويات المرحلة وهو الاستثمار المثمر في العامل البشري والرقي به إلى أسمى معاني التطور والتكوين والتعليم والاستثمار الصحيح في البحث العلمي.

5) وضع استراتيجيات وطنية لتكوين أجيال جديدة من الباحثين وتعبئة الأطر والكفاءات لمضاعفة الإنتاج العلمي وضمان جودته.

6) إصلاح جذري للمنظومات الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي وجعلها قادرة على مصاحبة ومواكبة مخططات التنمية القطاعية حتى تنعم بالشمولية والانسجام وتكون قادرة على تعبئة جميع هياكل البحث والقضاء على أسلوب التكرار في الاختصاصات والقرارات وتحسين الحكامة.

7) الرقي بجودة تدريس العلوم والتقنيات على مستوى المناهج وفي جميع المسالك الدراسية، وذلك أيضا بتشجيع النهج القائم على التجربة والملاحظة والتمييز والتفكير من أجل الحصول على استيعاب جيد للمعارف وتنمية الثقافة العلمية والتقنية.. ولا غرو أن النشر المنهجي لهذه الثقافة، كما يؤكد على ذلك التقرير الأخير لأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات في موضوع «واقع البحث العلمي وتوصيات من أجل النهوض به»، انطلاقا من مؤسسات التعليم والجامعات ومراكز البحث وعن طريق استعمال وسائل الإعلام السمعية والبصرية، يجب أن يصبح له مساهمة هامة في تنمية الأوطان العربية.

8) إن تطور الجامعة يكمن في استجابتها الفعالة ودون تخوف من التحديات التي تطرحها كل من العولمة التدويل، تكتل التعليم العالي، تقدم تقنيات المعلومات والاتصال، تسويق المعرفة.

9) فيما يتعلق بمناهج الجامعات، يجب اقتراح برامج تعليمية وأبحاث مبنية على حاجيات اقتصاد المعارف... فالأمر يتعلق بتحديد مؤهلات الخريجين وذلك بمساعدتهم على أن يصبحوا مواطنين عالميين ومسؤولين.

10) كما أن عامل التدويل يدعو إلى إقامة شبكة جهوية تضمن الجودة والارتكاز على أنظمة الاعتماد والبحث والإبداع إضافة إلى الحكامة.

11) كما أن تكتل التعليم العالي يفرض تنويع التعليم الخصوصي، (كلية المجتمع Community College عبر الخط On-line) وجعل حركية الطلاب مرنة داخل النظام التربوي أو بين مختلف الدول والمناطق.

12) لقد خلخل تقدم تكنولوجيا المعلومة والاتصال مناهج التعليم والتعلم، حيث أصبح من الصعب على أستاذ الجامعات العصرية، غير الملم بالتقنيات الجديدة للتواصل مثل iTune ، الحياة الثانية second life، يوتيوب Youtube أو الدروس المجانية عبر الخط مثل MIT Open courseware أو edX أو khan Academy، أن يتماشى مع طلاب هم على دراية كبيرة بوسائل الإعلام الاجتماعية. علاوة على ذلك، فاللغة المهيمنة على مواقع الإنترنت هي الإنجليزية (57 في المائة)، متبوعة بشكل بعيد باللغات الأخرى: الألمانية (6,5 في المائة)، والروسية واليابانية والإسبانية والصينية (4 و5 في المائة) وأخيرا الفرنسية بنسبة (3.9 في المائة). وهذه أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها الجامعات الحديثة النشأة وتتمثل في إقامة أرضية تكنولوجية تمكن الطلاب والأساتذة من الوصول إلى المعارف المتوفرة والمجانية. وهكذا، يمكن للأساتذة التحرر من قيد إعادة خلق الدروس، وبالتالي استغلال وقتهم في تدريب الطلاب بدل إغراقهم بمعلومات متوفرة في الإنترنت.

13) إذا كان تسويق المعارف أحد أولويات الجامعة، فيجب أن تكون هذه الثقافة حاضرة في حكامة الجامعة في شكل مكتب للعلاقة بين الصناعة والجامعة. فالمثلث جامعة - حكامة - صناعة، يجب أن يكون عمليا، كما يجب أن تتحمل البرامج ذات التمويل الملائم نمو البحث والتنمية (RالجزيرةD)، ثم إن تكوين الأساتذة والطلاب على مبادئ وممارسات تسويق المعارف، يساهم في نجاح هذه البرامج. إضافة إلى ذلك، فقد تبين أن الأساتذة ذوي الخبرة في المقاولات الخاصة (المهندسين مثلا ) هم الأكفأ لتحويل نتائج البحث إلى منتجات قابلة للتسويق.