Friday 29/11/2013 Issue 15037 الجمعة 25 محرم 1435 العدد

ملتقى الباحة للإعلام

مساهمة الإعلام البديل في ظهور كاتبات ومثقفات وناشطات لم يكن لهنَّ ظهورٌ سابقٌ في الإعلام الرسمي

مقدمة

الإنسان مدني الطبع.. هذه المقولة التي رسّخها المفكر الإسلامي ابن خلدون في مقدمته، تُشكّل إحدى أهم دعائم العلم الاجتماعي، ومحدداً لحياة الفرد في المجتمع، والتي تُشكّل ضابطاً ومرشداً لكافة الأعمال ذات العلاقة بالسلوك البشري باعتباره متطوراً ومتغيراً من زمان إلى مكان.

سنَّ الله - عز وجل - في الإنسان التأثير والتأثر في محيطه، لأن الإنسان ابن بيئته، وأمام تغيُّر وتبدُّل وتطوُّر البيئات التي يكتسب منها ثقافته وتُشكّل أساس بناء شخصيته، كان لوسائل التواصل الاجتماعي منذ تسعينيات القرن الماضي أكبر الأثر في بناء جيل جديد، وتداخل في الثقافات وقدرة الأفراد على اختراق المجتمعات المغلقة في محاولة منهم للبحث عن الذات والتأثير المنشود تحقيقاً لمقولة الإنسان مدني الطبع.

أنا هنا أحاول أن أُشخِّص الحالة بموضوعية بعيدًا عن أي افتراضات مسبقة أو نظريات تشكيك أو تخوين وبعيدًا عن الخصوصيات الثقافية والدينية، إذ آن الأوان للتصدي لكافة المتغيرات على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، وتفكيك فكري في محاولة لتأصيل حالة من الانطباق أو الانغلاق على مجتمعنا، وفي النتيجة أقول بأن وسائل التواصل الاجتماعي خارقة لكل المحددات الرسمية التي لم ولن تستطيع وضع القيود لمنع تمتع الأفراد من نتاج هذا العالم الافتراضي، مما يستوجب على المجتمع والمؤسسات أن تنتهج وسائل وقائية بديلة تعتمد على جانب إنماء الأخلاق والضوابط الذاتية للفرد حتى تُشكّل المحدد في مجال استخدام هذه الوسائل.

ومن جهة أخرى، لا أنكر ما لهذه الوسائل من إيجابيات في تعزيز البناء الشخصي والذاتي، وحتى أخرج من العموميات وأسقط هذه الحالة على مجتمعنا السعودي، نجد بأن استخدام هذه الوسائل أدى إلى نقلة نوعية على الصعيد الاجتماعي والثقافي وتبادل المعلومات، كما أدى إلى إبراز هوية المجتمع السعودي على حيز الوجود كأحد المجتمعات والحضارات في العالم، بل وأدى إلى إبراز المهارات الفردية والذاتية لدى المجتمع، وتميز هؤلاء على الصعيد الإقليمي والدولي بما يدلل أن لدينا مخزوناً وطاقات إذا ما تم استخدامها وتطويرها فإنها تأخذ دوراً كبيراً في العالم، وتُشكّل مرجعاً في مجال عملها، وفي ذلك رد على كل قائل بأن المجتمع السعودي مغلق أو غير قادر على الإنتاج الثقافي والفكري.

المرأة السعودية دفعت ضريبة خلال مسيرتها لإثبات ذاتها نظراً لعدة ظروف مجتمعة أدت إلى تغيبها عن بعض الميادين، وجاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتُشكِّل الرافعة الحقيقية في إعادة محاولة البناء من جديد، لتسويق نماذج نسوية قادرة على التعاطي مع كافة مستجدات العصر، بل وبات الحس الرسمي والمجتمعي يتغير تجاه قضايا المرأة وإن كان هذا التغيير محدوداً نوعاً ما، إلا أن المسيرة مستمرة بإنضاج قيادات نسوية لديهن القدرة والرغبة على بناء مجتمع صديق وحساس لقضايا المرأة.

مفهوم جدية الرأي والتعبير

تُعد حرية الرأي والقول وحق الإعلام في التعبير، أحد مؤشرات الممارسة الديمقراطية في أي بلد، كما يُعد هذا الثالوث مقياسًا لدرجة التقدم والتطور.. كما أن حرية التفكير والتعبير وإعلان الرأي، مطلب شرعي وقيمة إنسانية تُجسد حرية الإنسان، وكل قمع لهذه الحرية هو حط من قيمة الإنسان، كما أن ممارسة هذه الحرية بدون مسؤولية يجعلها بدون معنى.

تعني كلمة «حرية» في التعبير: الأفكار والآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو العمل الفني بدون رقابة أو قيود بشرط عدم تعارضها - شكلاً أو مضموناً - مع قوانين وأعراف الدولة أو المجموعة التي سمحت بحرية التعبير.

حدود وضوابط حرية التعبير والوصول إلى المعلومات وفقاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان

إن هذا الحق تحكمه مجموعة شروط وضوابط، كما يطرح عدة أسئلة بشأن كيفية استخدام هذا الحق حتى لا ينحى إلى مناحي أقرب إلى الفوضى منها إلى الحق.. يتضح هذا المعنى أكثر عبر طرح المشكلة بصيغة أخرى.. فبالنسبة لحدود حرية الرأي والتعبير فإنها تُعتبر من القضايا الشائكة والحساسة، إذ إن الحدود التي ترسمها الدول أو المؤسسات لهذه الحرية قد تتغير وفقاً للظروف الأمنية أو المتغيرات وظروف خارج نطاق الدولة أيضًا لها في تغيير حدود الحريات.. ولعل من شروط ممارسة التعبير الحر ما يمكن إيجازه في:

أولاً: الحرية في اختيار المواقف والقناعات الشخصية، وأنها يجب أن تنبع من ذلك الحق الطبيعي في إطار الثقافة والمكتسبات الفردية، وليس إملاء من الآخرين أو بناءً على آراء وأفكار مسبقة.

ثانياً: الاقتناع بأنه ليس حقاً مطلقاً، أي أنه تسري عليه القاعدة المنطبقة على باقي الحقوق في اعتبار أن «حق الفرد ينتهي حيث يبدأ حق الآخرين».. وبالتالي احترام حقوق الآخرين.

ثالثاً: عدم استغلال هذه الحرية في القذف (الافتراء، الطعن) أو التشهير من خلال نشر حقائق مزعومة ولكنها غير صحيحة للإساءة إلى سمعة شخص آخر.. وكلمات الشتائم أو التجريح، والتحريض على الجريمة.. والإخلال بالآداب العامة أو الإضرار بالآخرين بأية صورة من الأذى المادي أو المعنوي.. وعدم الإخلال بالأمن القومي والنظام العام أو الصحة العامة أو الإضرار باحترام حقوق الآخرين أو الدعوة إلى التمييز العنصري أو الكراهية وإثارة الفتنة.

أُقدم لكم الآن بعض النماذج النسوية التي اخترتها من فيسبوك وتويتر بطريقة عشوائية، حاولت من خلالها أن أجمع عينات منوعة في الفكر والتوجهات.. وقبل عرض هذه العينات أود التأكيد أن مواقع التواصل الاجتماعي قد ساهمت في إيجاد أصوات من الجنسين لم تظهر عبر الإعلام الرسمي، لذا فالفرصة باتت مفتوحة للتعبير عند الجميع، إلا أن تركيزنا في هذه الورقة على صوت المرأة تحديدًا، أتى لعدة اعتبارات أهمها، أن الفرص أمام المرأة في إظهار صوتها محدودة أكثر من الرجل لأسباب اجتماعية وثقافية.

سمر المقرن - الروائية والكاتبة في الجزيرة .. وهذه الورقة ألقتها في ملتقى الباحة الإعلامي