Saturday 30/11/2013 Issue 15038 السبت 26 محرم 1435 العدد
30-11-2013

تحديات صناعة البتروكيماويات «3»

يبدو أن تنافسية صناعة البتروكيماويات في دول مجلس التعاون الخليجي كانت القاعدة التي بنى عليها الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز، مساعد وزير البترول والثروة المعدنية، كلمته التي القاها أمام منتدى «جيبكا» في دبي، والتي شكّلت في مجملها خارطة طريق للحكومات، وشركات المنطقة.. «ولا ينبئك مثل خبير»، وأحسب أن إلمام الأمير عبد العزيز بن سلمان في صناعة النفط والغاز والبتروكيماويات يجعل من ورقة عمله المقدمة الأكثر أهمية للمهتمين بإستراتيجية صناعة البتروكيماويات في الخليج.

ينظر البعض إلى أوراق العمل المقدمة من الخبراء المستقلين على أنها أكثر ترجمة لرؤى قطاع الأعمال، وكذلك تفعل الحكومات، التي تعتقد، دائماً وأبداً، أنها وفرت كل ما تحتاجه الصناعة، وذللت أمام منتجيها الصعوبات.. الأمر يبدو مختلفاً مع كلمة الأمير عبد العزيز بن سلمان، فعوضاً عن شفافيته المعتادة، ووضوحه، وإلمامه بالصناعة، وتخصصه الاقتصادي، فهو محسوب على القطاع الحكومي الحاضن، والمنظم والداعم لصناعة البتروكيماويات، ما يعطي كلمته عمقاً أكبر، وثقة لدى المراقبين بإمكانية تبني توصياتها من قِبل الحكومات والشركات المصنعة إذا ما أرادوا حماية القطاع من المخاطر المحدقة.. العمل الانعزالي بين المنتجين والحكومة قد يحدث ضرراً في صناعة البتروكيماويات، والحوار هو أسهل الطرق المؤدية إلى رسم رؤية مستقبلية شاملة تحقق مصلحة الحكومة، القطاع الخاص، والاقتصاد الوطني.. هناك رأي عام ضاغط يمارسه بعض الاقتصاديين لرفع الدعم الحكومي عن الصناعة، واتهامها بأنها تستنزف الموارد الطبيعية بثمن بخس في الوقت الذي يمكن بيعه في الخارج بأضعاف مضاعفة!.. وهو رأي يعتمد على جانب واحد ويغفل، في الوقت نفسه، جوانب أخرى أكثر أهمية وشمولية.. مثل تلك الآراء الضاغطة تحتاج دائماً إلى حوار بين الحكومة والمنتجين من جهة، وبينهما والمختصين لتوضيح خلفيات الأمور التي قد تقلب آراء المختصين رأساً على عقب.. إضافة إلى ذلك، فالإستراتيجية الحكومية لصناعة البتروكيماويات قد تكون الحل الأمثل لمواجهة جميع التحديات الحالية والمستقبلية، بحيث تقوم هذه الصناعة على أسس إستراتيجية لا يُمكن أن يؤثر بها رأي عابر، أو تغير مفاجئ في السوق والمنتجين.

ذكر الأمير عبد العزيز بن سلمان، أن «صناعة البتروكيماويات الخليجية ستكون عند مفترق بالغ الأهمية، يتطلب استعداداً جيداً، يؤهلها لمواجهة تلك التحديات على أفضل وجه».. أجزم أن مسؤولية مواجهة التحديات تقع على عاتق الحكومة وشركات القطاع على حد سواء.. فالحكومة مسؤولة عن حماية القطاع ودعمه وتحفيزه لضمان استدامته، وفق خطة إستراتيجية محققة للتنافسية العالمية.. دعم قطاع الصناعات بأنواعها، الوسيطة والنهائية، في الداخل، ومعالجة مشكلاته، وحمايته من عمليات الإغراق المؤثرة في ربحيته ونموه أمر غاية في الأهمية.. الحكومة مسؤولة أيضاً عن مواجهة الإجراءات الحمائية الهادفة للحد من تدفق منتجاتنا للخارج، ما زلت أعتقد أن دور سفاراتنا في الدول المستوردة قاصرٌ، ولا يوفر البيانات والمعلومات والحماية للمنتجين، كما أن الاتفاقيات التجارية والتعاقدية وبرامج الدعم الموجهة لا تستغل من أجل توفير الحماية لصادراتنا البتروكيماوية.

قطاع الإنتاج مسؤول أيضاً عن مواجهة الأنظمة الحمائية من خلال الالتزام بالمعايير الدولية، ومطالب بالتوسع في خلق إدارات قانونية قادرة على توفير الحماية من خلال وضع أسس ومعايير إنتاج وتصدير متوافقة مع أنظمة التجارة العالمية.. ومسؤول أيضاً عن تحقيق أسس التنافسية من خلال التطوير والابتكار، والاستثمار في القوى العاملة، وتوفير القيادات والكفاءات الضامنة لاستمرارية النجاح.. يُواجه القطاع خلخلة من الداخل ناتجة عن دوران العمل المتأثر بعروض الشركات الجديدة الباحثة عن الكفاءات الجاهزة، التوسع في التوظيف والتدريب والتطوير هو العلاج الناجع لهذا الخطر.. وهو مسؤول أيضاً عن موازنة تكاليف الإنتاج، والأخذ في الاعتبار إمكانية تغير أسعار اللقيم، خارجياً بانخفاضه، ومحلياً بارتفاعه، والعمل على التكيف المسبق مع المتغيرات المتوقعة.

عوداً على بدء، أجزم بأن كلمة الأمير عبد العزيز بن سلمان التي ألقاها أمام مؤتمر «جيبكا» حددت بجلاء تحديات صناعة البتروكيماويات الخليجية ووضعت لها الحلول الناجعة، ورسمت لها خارطة طريق يمكن استخدامها لوضع إستراتيجية وطنية لصناعة البتروكيماويات، والاعتماد عليها لوضع إستراتيجيات أخرى في قطاع الصناعة بشكل عام.. العبرة دائماً في التطبيق، وهو أمر يحتاج إلى جهد مضاعف ومشترك من الحكومات والمنتجين، وتنسيق أكبر وتكامل بين الوزارات، ورؤية مستقبلية واضحة، وإستراتيجية محكمة لقطاع الصناعات البتروكيماوية الأساسية والتحويلية.

f.albuainain@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب