Sunday 01/12/2013 Issue 15039 الأحد 27 محرم 1435 العدد
01-12-2013

ورحل المربي المتعَب المتعِب

كان ملء السمع والبصر حياً، وسيظل ملء السمع والبصر بعد أن توفاه الله، إنه المربي العزيز محمد الرشيد، صاحب القلب الكبير، والوجدان الصادق المفعم حباً وتقديراً لكل من عرفه وتعامل معه، كان يرحمه الله يتعامل مع كل معارفه وأصدقائه بميزان واحد، ميزان زاد من جلال عدالته شعور المقابل لأبي أحمد/ إنه الأثير إلى قلبه دون كافة العاملين معه، إنه الأقرب إلى مشاعره دون منازع، يتجلى هذا الشعور من فيض البشر الصادق على وجهه، ومن نبل المشاعر التي يبديها عند اللقاء لدرجة تشعر فيها بضعف موقفك في الدفاع عن التأخر في معاودة زياراته والتواصل معه.

بهذا القلب الكبير، والمشاعر النبيلة، والروح السامية، التف محبوه حوله، وتوافق من عمل معه على الرغم من اختلاف قناعاتهم على صواب رأيه ورؤيته، وبادلوه حباً بحب، وعطاء بعطاء، ولهذا استطاع باقتدار أن يحوّل الكثير من آرائه إلى رؤى عملية لامست حاجة الميدان التربوي الذي تفاعل معها وقابلها بالكثير من الرضا والترحاب.

كان يرحمه الله يؤمن بأن أي مجال من مجالات العمل لا يمكن أن ينجح وأن يحقق الآمال المرجوة منه ما لم تكن إدارة العمل وتسييره قائمة على روح الفريق الواحد، الفريق الذي يعضد بعضه بعضاً بالمساندة والمؤازرة، وأجمل ما في الفريق الذي عمل مع أبي أحمد في وزارة التربية والتعليم خلال تسنمه قيادة الوزارة، إنه فريق يستعصي على التصنيف، نظراً لتنوع تأهيله، وعمق خبراته، فريق تشكل من جلّ مناطق المملكة على اختلاف ثقافاتها، وكان تنوع إثراء واستقصاء، تنوع ساعد على الأخذ في الحسبان كل الاحتمالات، بهدف الوصول إلى أفضل الحلول والنتائج التي تترجم تباعاً وفق ما يحقق المصلحة التربوية والتعليمية.

كانت الحلول تتبلور والنتائج تصاغ في مطبخ الأربعاء، وهو موعد اللقاء الأسبوعي لقيادات الوزارة، من الساعة الثامنة حتى العاشرة، وقد يمتد إلى الحادية عشرة، في هذا اللقاء تستعرض التقارير، وتطرح الآراء، وتستضاف شخصيات وخبرات، ويتخلل اللقاء تبادل بعض الطرف التي تزيل الملل، وتجدد النشاط، وكان يرحمه في كل لقاء يتفقد المتأخر والمتغيب يسأل عنه ليطمئن عن سبب تأخره أو غيابه، قلب كبير، وروح مفعمة بالحب والود.

وكان يرحمه الله يؤمن بقيمة مهنة التعليم ومكانته، وبأهمية الدور الذي يقوم به العاملون في حقل التربية والتعليم سواء في جهاز الوزارة أو في إدارا ت التربية والتعليم، ولهذا طلب من ولاة الأمر إمكان أن يلتقوا بقيادات العمل التربوي، وكان الترحيب والاستجابة منهم وفقهم الله، فعقدت لقاءات تشرف فيها قادة العمل التربوي بالسلام على الملك فهد يرحمه الله، والحديث مع الملك عبد الله وفقه الله، واستعراض وجهات النظر المطولة مع الأميرين الجليلين يرحمهما الله سلطان بن عبد العزيز، ونايف بن عبد العزيز، وكان لهذه اللقاءات عظيم الأثر في النفوس لما تخللها من توجيهات كريمة، ومشاعر نبيلة تجاه التربية والتعليم وقادة العمل التربوي.

وكان يرحمه الله يرى أهمية التواصل مع رجال المال والأعمال، وأن عليهم مسؤولية مجتمعية تجاه التربية والتعليم، وكان من ثمرة هذا التواصل بناء العديد من المجمعات التعليمية في عدد من المدن في مختلف مناطق المملكة.

ومن الدلائل على حبه للتربية والتعليم، تلك الزيارات الميدانية التفقدية لكل إدارات التربية والتعليم بالمملكة، والزيارات العلمية للدول المتقدمة بهدف الوقوف على أنضج الخبرات والتجارب التربوية والتعليمية، كما سعى ووفق لاستحداث وظائف قيادية للمسؤولين في الوزارة إكراماً للدور القيادي وللجهود التي تبذل في مجال تطوير التربية والتعليم.

قال أحد التربويين الذين عملوا مع محمد الرشيد يرحمه الله عندما كان عميداً لكلية التربية: إنه المربي المتعَب المتعِب، وتبيّن لنا صدق المقولة في العمل معه في وزارة التربية، لكنه رغم تعبه لم يكلّ، ورغم تعب العاملين معه لم يملوا، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب