Tuesday 03/12/2013 Issue 15041 الثلاثاء 29 محرم 1435 العدد
03-12-2013

مصر التي في خاطري!

يبدو أن عجلة الأحداث لن تكف عن التوقف في مصر! فمنذ أعلنت لجنة الخمسين انتهاءها من صياغة مسودة الدستور الجديد، وأنها بصدد عرضها على الاستفتاء الحكومي والحزبي والشعبي، ثارت (هنا وهناك) غضبات واحتجاجات جماهيرية (مسيسة)، وقفت بشكل خاص عند قانون يخص أمن التظاهر، وينظِّم الحصول على هذا الحق. اعتبر كثيرون هذا القانون عقبة في وجه الديمقراطية

المنشودة والموعودة؛ إذ يطالب المعترضون بحذف هذه المادة، واعتبروا أنها (دلالة) كافية على أن هذا الدستور هو من تفصيل ومقاييس (العسكر)، وهي الصفة المفضلة هناك لتوصيف الحالة الراهنة في مصر؛ إذ يعتبر كثيرون أن وجود المؤسسة العسكرية على رأس النظام بنفوذ رجلها (القوي جداً) الفريق أول (عبدالفتاح السيسي) وزير الدفاع، الذي غيّر سير الأمور في الدولة منذ أن انحاز إلى الشعب إبان حكم الإخوان (المسلمين) ورئيسهم المعزول (محمد مرسي)، وقام بانتزاع الدولة والوطن من أسنانهم، وزج بالرئيس ومعاونيه وثلة كبيرة من (محركيه) في السجن تمهيداً لمحاكمتهم، اعتبروا وجود العسكر انتقاصاً من مكتسبات الثورة، وهو في الحقيقة قام بحماية الثورة من التلاعب العاطفي بالجماهير؛ لأن الجماهير التي خرجت في 30 يونيو، غير المسبوقة عالمياً؛ إذ بلغت عدداً يفوق الأربعة والثلاثين مليوناً، تفوض (الجيش) بفعل ما يريد في سبيل إعادة الثورة إلى مسارها، وانتزاعها من أيدي الذين اختطفوها وأجهضوا حلمها الكبير بتحقيق العدالة الاجتماعية التي سبب التفاوت الرهيب فيها بين طبقات المجتمع في وجود طبقة منها (مسحوقة) تماماً! ولا تتمتع بأية حقوق، وليس لها أي مميزات سوى الصمت والجوع والنسيان!

وكان الحدث الأبرز إيقاف طالبات (أزهريات)، وتحذيرهن بأن مسيرتهن ستعود بالعنف والمزيد من الانتقام، وستكون تكريساً لحال فوضى (الفتوى) التي خلقها نظام الرئيس المعزول بمنحه حق الإفتاء لكل من ينتمي للجماعة أو لذراعها العسكرية والسياسية (حزب الحرية والعدالة)، بأن فلاناً حين ينتخب عضواً من الجماعة فإن له أجرين، ثانيهما هو ما يتعلق بمثوبة الله على قراره بانتخاب هذا الشخص؛ ما أدى إلى تفشي مراكز القوى الروحية التي توهم الجماهير بجنة الله على الأرض! وتخرج الاختيار الشعبي إلى انحيازات ميتافيزيقية وغيبية وفوق قدرة الإنسان على تقرير مصيره.

ومنذ اللحظات الأولى لإعلان لجنة الخمسين انتهاء عملها من مسودة الدستور سارعت الولايات المتحدة الأمريكية بتحذير المصريين من (تقييد) حرية الناخب، ومن الممارسات التي كانت تشكو من وجودها فيما قبل ثورة 25 يناير المباركة، وسارعت الحكومة المصرية الانتقالية المصرية - هي الأخرى - عبر بيان لخارجيتها إلى الطلب من دول العالم عدم التدخل في الشؤون الداخلية المصرية، واعتبرت ذلك تعدياً سافراً منها على أبجديات العمل الدبلوماسي الدولي، خاصة أن مصر كانت قبل يومين وربما ثلاثة قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع (تركيا) بالذريعة نفسها، التي زادت عليها تركيا رعايتها لمؤتمر مصري معارض، لا أحد يعرف كيف وصل لإقناعها بالاستجابة له وتقديمه كوجهة نظر لها فيما يجري في مصر!

إن مصر العربية الشقيقة الكبرى والمفصلية للعالم العربي والأمة العربية ودول عدم الانحياز مطالبة بما هو أكبر عمقاً من تعليق ساخر على موقف دولة ما، خاصة أن الشأن المصري سبق مواقف مماثلة لدول أخرى. وحين راوحت مسيرة هذه الدول بين الفشل والتوقف صعدت مصر بشعبها الذي لا يستسلم، ولا يكل عن المطالبة بحقوقه.

هكذا نرى أن العالم (لا) يقف موقف المتفرج!

وهكذا نعلم أن الدنيا (صغيرة) مهما اتسعت! ومهما كبرت ومهما تمددت!

كما نرى أيضاً أهمية الثورة المصرية كمفتتح للتغيير عندما يكون الواقع رديئاً وموحشاً وظالماً، ونرى أيضاً أهمية الدور الذي تلعبه مصر العربية في التاريخ والجغرافيا، وفي الواقع، وفي الحلم، والدروس التي تقدمها هذه الدولة المحورية والقيادية في إقليمها وفي العالم. وما يؤكد لنا - أيضاً - أن مصر ليست بالوطن النكرة! أنها وطن حمل معه أحلام الجميع من البسطاء والصابرين والمرابطين، أحلام البسطاء في عيش كريم، وعدالة للجميع، ومساواة بين الجميع، وتحقيق للقيم الخيرة والنزيهة، و(نبذ) لقيم الزيف والهراء والضجيج.

نظل نتعلم من مصر العربية الكثير، وسنتعلم منها الكثير!

hjarallah@yahoo.com - alhomaidjarallah@gmail.com

حائل

مقالات أخرى للكاتب