Tuesday 03/12/2013 Issue 15041 الثلاثاء 29 محرم 1435 العدد
03-12-2013

وقعة «جزاء سنمار» تلحق بالبنوك المُتعملقة!

من منا لا يعرف سنمار الرومي وقصر «خورنق» الشهير الذي بناه في إمارة الحيرة. وإمارة الحيرة هذه كانت تحت يد ملك العرب حينئذ وهو النعمان بن امرؤ القيس. فقد أراد النعمان أن يبني قصرا يفاخر به على العرب وإمبراطورية الفرس. ووقع اختيار النعمان على سنمار الذي أفنى 20 سنة من عمره في بناء هذا القصر الشاهق. ويقال إن سنمار قال للنعمان إنني أعرف طوبة (حجرة) لو زالت لانقض القصر من أساسه. فلما اطمأن «ملك العرب» حينها بأن سنمار لم يطلع أحدا على هذا السر أمر رجاله بإلقائه من أعلى القصر. لتصبح تلك القصة الشهيرة مضرب المثل عند العرب لمن يصنع المعروف ويكافأ على صنيعه بالعقوبة. تذكرت تلك الحادثة وأنا أتأمل في مصائر البنوك الأجنبية التي جلبت «المصداقية» الدولية للصيرفة الإسلامية قبل 15 سنة لتكافأ بسرقة البنوك الخليجية لسوقها. فبعد أن مهدت الطريق لنمو المنتجات الشرعية، خرجت من الباب الخلفي متقهقرة بصمت!

فعلى سبيل المثال، أخذت تبيعات انسحاب عملاق الصيرفة العالمية « اتش.اس.بي.سي « ( HSBC) من صيرفة التجزئة الإسلامية مسارا آخر. فهذا القرار الإستراتيجي أصبح مثل كرة الثلج التي تزداد في الحجم كلما تدحرجت أكثر. فمنذ ذلك القرار, بدأت بعض البنوك الغربية الكبرى في تقليص أنشطتها في الصرافة الإسلامية. فبينما يرى البعض أنه من السابق لأوانه التكهن بأن البنوك الغربية قد تسلك نفس الاتجاه بالانسحاب من التمويل الإسلامي, فإن الشواهد الأولى تدل على عكس ذلك. فقد خسر بنك «مورجن ستانلي» أحد خبرائه الإسلاميين وخسر بنك دويتشه وباركليز أولئك المصرفيين الذي هندسوا ممارسات الصيرفة الإسلامية بتلك البنوك الغربية. يقول أحد المصرفيين: «لن تجد بعد الآن متخصصين (في المالية الإسلامية) يعملون مع هذه البنوك». حيث بدأوا في العمل مع بنوك صغيرة تعرف اصطلاحا بـ(Boutique). وهذه البنوك تُعرف بتخصصها في مجال معين في الصيرفة الإسلامية.

وبعد أربعة أيام من إعلان مجموعة اتش.اس.بي.سي هولدنجز تقليص عملياتها الدولية في قطاع التمويل الإسلامي أعلن بنك أبوظبي الوطني خططا في اتجاه معاكس تماما. فقال إنه يسعى إلى زيادة إسهام الأنشطة المتوافقة مع الشريعة في أعماله إلى ثلاثة أمثال الحجم الحالي خلال ثمانية أعوام.

ويؤكد هذا التباين أن قرار اتش.اس.بي.سي الانسحاب من سوق التمويل الإسلامي يعكس أولويات الأعمال لدى البنك البريطاني ولا يعد علامة على ضعف قطاع التمويل الإسلامي. ومع سعي البنك للانسحاب من الصناعة تسنح الفرصة أمام بنوك محلية للتوسع على مستوى القطاع.

فبالرغم من مساهمة هذه البنوك الفعالة في تطوير المنتجات الإسلامية إبان المراحل الأولى للصناعة فإن هذه البنوك الغربية لا ترى نفسها تنتفع، من ناحية العائد المادي، وهي ترى البنوك المحلية الإسلامية تقتنص شريحة كبيرة من السوق.

mkhnifer1@gmail.com ... تويتر: @MKhnifer1

مراقب ومدقق شرعي معتمد من (AAOIFI) ومتخصص في هيكلة الصكوك وخبير مالية إسلامية لصالح مؤسسات دولية متعددة الأطراف.

مقالات أخرى للكاتب