Sunday 08/12/2013 Issue 15046 الأحد 04 صفر 1435 العدد
08-12-2013

التحولات .. مواكبة أم تحدٍ

من المؤكد الذي بات معروفاً متواتراً، مشاهداً لا تخطئه عين المتابع، أن المجتمع السعودي شهد تحولات في كل المجالات، تحولات حادة ومتسارعة، واللافت للنظر أنها حصلت خلال فترات زمنية قصيرة جداً مقارنة بالكثير من المجتمعات التي تأخذ فيها هذه التحولات مدداً زمنية طويلة، وما زال المجتمع السعودي يشهد الكثير من تلك التحولات في كل جوانب الحياة المجتمعية، مما يقتضي تحديد موقف أو جملة من المواقف تجاهها، بشرط أن تكون تلك المواقف حكيمة عقلانية عادلة متوازنة، والمتابع لمجريات التحولات المجتمعية يتبين له أن الموقف منها يتأرجح بين ثلاثة تيارات:

الأول: تيار يرى التصدي والتحدي والمواجهة، تيار يرفض التحول ويستنكره، ويتوجس منه ويخاف، يحذر من دعاته ويشكك في نواياهم، بل ويخونهم ويعدهم دعاة تغريب، يسعون إلى تشويه هوية المجتمع بل إلى تذويب أوجه سماته المميزة له، وإلى طمس معالم شخصيته، وجعله مجرد تابع يلهث وراء ما تجود به موائد التغريب من ممارسات يأنف منها أقل الناس معرفة بتقدير الذات واحترام كينونتها.

الثاني: تيار يرى تقبل التحول، والترحيب به وبالذوبان فيه، بل الانصهار والتعامل مع معطياته بحماسة على اعتبار أن هذا التحول يُعد من متطلبات مقتضيات العصر وضروراته، وأن الناس شركاء في ما تجود به الخبرة البشرية من إبداعات وتسهيلات، وأن التأخر في تأييد التحول وتبنيه يفضي إلى حالة من التخلف الثقافي والحضاري عن الركب العالمي، ومواكبة متطلبات العصر وسماته المتجددة المتغيرة.

الثالث: تيار يرى مواكبة التحول والتكيف معه، ومواءمة معطياته والأخذ منها بما لا يخل أو يشوه أو يعارض الثوابت الدينية، والقيم الثقافية الموروثة، مع المحافظة التامة على ما يُعد من ثوابت الهوية التي لا تستقيم الحياة المجتمعية ولا تصح إلا بالمحافظة عليها واحترامها باعتبارها المكون الرئيس لكل أوجه النشاط والسلوك المميز لهوية المجتمع وسماته، وبهذا استطاع أخذ المفيد وتوظيفه في أوجه الحياة الممكنة دون تضييع للخصوصية والهوية.

المجتمعات البشرية عامة وأخص التي تتسم بالحيوية، والعقول المبدعة المجددة، هي التي لا تتثاءب أبداً، دائماً هي في حركة دؤوبة، وتطوير مستمر، وتطلع دؤوب إلى ما هو أفضل، تنشد صناعة التغيير والتجديد، وهذه سنّة مجتمعية معروفة، وليس بمستغرب ولا مستكثر أن تتبوأ مثل هذه المجتمعات مكان الصدراة والريادة بين المجتمعات الأخرى، تقودها باعتبارها صانعة التغير والتحول، المتحكمة في مجرياته وسماته.

لا ريب أن الفرق شاسع بين من يصنع التحول ويتحكم فيه وفق رؤيته وحاجاته، وبما يتوافق مع خياراته، ومبادئه ومسلّماته، وبين من يتلقف التحول بل يستجديه ويسعى إلى تبنيه وتقليده دون تمحيص أو تدقيق، مسترخٍ متفرج مترقب، فحال هذا المقلد مثل حال ذاك الغراب الغبي الذي رأى حمامة فأعجب بمشيتها، فزهد في مشيته، وعزم على تقليد الحمامة لفرط إعجابه بمشيتها، ولكونه غير راضٍ عن مشيته، لكنه لم يستطع ذلك، فضيّع مشيته التي تعوّد عليها، ولم يقدر على مشية الحمامة، فضاع بينهما، ولم تعد له مشية مميزة له كما كان سابقاً.

هذه حال كثير من المقلّدين الذين تعمي بصائرهم حماسة الإعجاب، يندهشون بما يرون فتعمى بصائرهم، يزهدون بما بين أيديهم ويتخلون عنه تحت صدمة الانبهار، فيتولَّد لديهم استعداد لتقبل أي شيء بغض النظر عن توافقه مع الخيارات والحاجات، ولا عجب إن بقي هؤلاء عالة على الآخرين يستجدونهم وينتظرون ما يجودون به من إبداعات ومبتكرات.

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب