Sunday 08/12/2013 Issue 15046 الأحد 04 صفر 1435 العدد
08-12-2013

بكر عطياني .. ثمن الكلمة ..!

لم يكن الزميل بكر عطياني مراسل قناة العربية مهنيا عاديا، بل ظل صحفيا استثنائيا في كل شيء تقريبا، في أسلوبه الهادئ رغم كل الأماكن الساخنة التي عمل فيها، من أفغانستان إلى باكستان، وجنوب شرق آسيا، وبين كل تلك التناقضات الخطرة من العسكر للمليشيات المسلحة، من القاعدة وطالبان ومن في سياقهم وفي فترات زمنية أقل ما توصف بأنها ملتهبة. حتى في معاناته التي حبست الأنفاس بصمت لنحو عام ونصف العام ظل مختلفا واستثنائيا.

طوال فترة احتجازه لم يكن سهلا على مؤسسته التعليق لوسائل الإعلام فمساومات الخاطفين لم تتوقف يوما، والقناة كانت حريصة على سلامته كأولوية ثابتة، قبل أي ضوضاء إعلامية، يعتقد البعض أن هناك تقصيرا إعلاميا في سرد حكايته خلال اختطافه، لكن في التفاصيل ما هو أعقد من ذلك.

وللحقيقة فإن أي تركيز إعلامي- وهو من أهداف الخاطفين- كان سيشكل نقطة قوة لتلك الجماعة على حساب سلامته، ونقطة ضعف له، ولذويه ومحبيه وزملائه ومؤسسته، لذا رفضت القناة باستمرار التعليق، مع عمل مستمر واحترافي ومجهود متواصل بذل دون توقف في كل الاتجاهات الممكنة لإعادته وتأمين سلامته دائماً.

آخر مرة التقيته في غرفة أخبار العربية كان بكر عطياني المتخصص الخبير في التنظيمات والحركات الإسلامية المسلحة، وهو من بين الصحفيين القلائل الذين أجروا حواراً مع زعيم تنظيم القاعدة الهالك أسامة بن لادن، ودائماً ما كان حاضراً في أكثر التضاريس الصحفية وعورة.

في ذلك اللقاء كان يتحدث عن رغبة في تركيز تغطيته على مناطق جديدة شرق وجنوب آسيا لنقل بعد جديد لمجتمعات إسلامية أكثر مدنية وتطوراً، كان يتحدث عن ماليزيا واندونيسيا تحديدا، وكيف يمكن صناعة تقارير صحفية مختلفة ومثيرة وثرية. لكنه غاب في رحلة صحفية للفلبين.

كان قد وصل إلى العاصمة الفلبينية مانيلا، في الخامس من يونيو 2012، لأجل إعداد فيلم وثائقي عن حال المسلمين جنوبي الفلبين، ضمن سلسلة تقارير رمضانية عن المسلمين في العالم، إلا انه تعرض للاختطاف بعد 7 أيام من وصوله، أي في 12 يونيو 2012.

فقد اختطف عطياني على يد مجموعة مسلحة تُدعى مجموعة “أبوسياف” في جزيرة سولو بإقليم “مينداناو” الفلبيني، وهي جماعة، ليست إسلامية معتبرة كما يخلط البعض وإنما تعيش على تنفيذ عمليات وأوامر الخطف، حيث يشار إلى أنها ذراع سابق لنظام معمر القذافي البائد في ليبيا.

الأربعاء الماضي وفيما كانت قناة العربية تختتم ورشة عملها السنوية بعد يومين طويلين وبحضور مراسليها من كل العالم تقريبا كما جرت العادة السنوية، زف مديرها العام الأستاذ عبدالرحمن الراشد الخبر الأجمل على الإطلاق بأن مراسل “العربية” بكر عطياني طليق، بعد عام ونصف من الاختطاف، وهو الآن يُعالج في مستشفى محلي بسبب مشاكل صحية يعانيها جراء فترة الاحتجاز الطويلة والمرهقة.

الصور الأولية ظهر فيها الزميل بكر هزيلاً ومرهقاً لكن بملامح بطولية، خسر أكثر من 30 كيلو من وزنه لكنه كسب الكثير من المحبة والحضور والقوة، لينقل لاحقاً من جزيرة جنوب الفلبين إلى العاصمة مانيلا، في نهاية آمنة لمأساته وعائلته وزملائه في فريق “العربية “في طريقه للمنطقة.

بكر والذي قال إنه لم يفقد الأمل يوماً واحداً، كان لديه إحساس أكيد بأنه سيتم إطلاق سراحه في يوم من الأيام. ورغم المعاناة إلا انه في حالة نفسية جيدة، وكما يفعل الأبطال، عبر عن حماسته للرجوع إلى عمله مرة أخرى بعد تعافيه كما هي عزيمة الكبار.

وإخلاء سبيل الزميل بكر جاء بعد جهود محلية وإقليمية ودولية ومتابعة مستمرة يومية وصبر طويل من عائلته. جهود العام والنصف لم تتوقف ابتداء من رئيس مجلس إدارة مجموعة MBC وليد آل إبراهيم، وإدارة قناة العربية بقيادة مديرها العام، ومن كل عائلته الكبيرة في قناة “العربية”، والتي لم تشهد فرحا كما فرحت بخروج بكر سالماً.. الأكيد إن أمل العودة ظل معلقا في مكان ثابت بقلوب كل من التقاه أو عرفه!

هناك جوانب أخرى فالقصة لن يستطيع أحد أن يتحدث عنها إلا بكر عطياني الاستثنائي، عودته التي أصبحت القصة الإخبارية المفرحة لكل الوسط الإعلامي العربي والدولي.. هو رمز للصمود سيكون مادة حاضرة في مدارس الإعلام، ومثالا استثنائيا في العمل الميداني لبطل إعلامي.. عودا جميلا يا بكر عطياني.. عودا للكلمة.

@AlsaramiNasser

مقالات أخرى للكاتب