Monday 09/12/2013 Issue 15047 الأثنين 05 صفر 1435 العدد
09-12-2013

مانديلا!

رحل عن عالمنا قبل أيام واحد من أكثر الشخصيات شهرة، وتأثيرا حول العالم، ومانديلا شخصية استثنائية بكل المقاييس، فالمناضلون كثر، ولكنه مناضل مختلف، آمن بقضيته، وعمل من أجلها، ولاقى صلفاً عنيفاً، كانت نتيجته سجنه لسنوات طويلة جداً، ومع ذلك لا يذكر أحد أنه بالغ في الحديث عن ذلك، أو اتخذه مطية للحصول على مكاسب شخصية، وهنا لا بد من المرور على «مناضلي الزيف»، والذين يتم استيقاف أحدهم لعدة أيام، أو أسابيع، ثم يخرج من التوقيف -لا السجن-، ويبدأ برواية الأساطير عن بطولته، ونضاله، وعن شظف العيش الذي قاساه، ولا ينسى أن يتكسب من جراء ذلك لعقود طويلة، وأظنكم تعرفون هذه النوعية من النضال، والمناضلين.

خرج مانديلا من السجن مرفوع الرأس، وأعلن التصالح مع النفس أولاً، ثم مع الآخرين، وكان لهذه الإستراتيجية أثر بالغ في نجاح التحول الذي حصل في جنوب أفريقيا، ومانديلا يؤمن بأن الأمن الاجتماعي شرط ضرورة لبناء الإنسان، ولذا كرس كل وقته، وجهده في سبيل ذلك، لا في بلده فقط، ولكن حول العالم، مستغلا شعبيته الجارفة، وشخصيته المسالمة المحبوبة من قبل معظم سكان المعمورة على اختلاف أديانهم، وأعراقهم، وقد نجح في ذلك إلى حد كبير، ولا زلت أذكر موقفا حصل أثناء زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، بعد خروجه من السجن مباشرة.

كانت مدينة ديترويت، في ولاية متشجن إحدى المحطات المهمة في تلك الزيارة، وقد أعد له حفل ضخم في أكبر أستاد رياضي هناك، وكان على رأس الحضور نجوم الموسيقى، والرياضة، وفي ليلة الحفل لم يكن مانديلا على ما يرام، فقد كان مرهقاً من السفر، ولذا اضطر المنظمون لتأجيل الحفل لعدة ساعات، واختصار برنامجه، وفي تلك الأثناء سأل أحد الصحفيين لاعب كرة السلة الأمريكي، من أصل إفريقي، آيزايه توماس عن شعوره إزاء تأجيل الحفل لساعات، فقال بعفوية :» لقد انتظر مانديلا سنوات طويلة في السجن من أجل حريتنا، فهل تعتقد أنه سيضايقنا أن ننتظر لساعات ننتظره هنا.. لا مانع أن ننتظر لأيام، أو أسابيع لو اقتضى الأمر!»، ولعل ما قاله توماس يلخص علاقة الناس حول العالم بهذا المناضل الحقيقي، والذي كان بإمكانه أن يحكم جنوب أفريقيا حتى وفاته، ولكنه آثر أن يترجل عن السلطة، وهو في أوج شهرته، وعطائه.

وكالعادة عندما يتم الحديث عن شخصية عظيمة ليست منا، فقد انشغل المسلمون في مانديلا، وهل هو رجل صالح، أم غير ذلك، كما سهروا جراء موته، واختصموا، وتساءلوا عما إن كان يجوز الترحم عليه، أو لا يجوز !، ومع ذلك، سينام مانديلا ملء جفونه هذه المرة، وإلى الأبد، بعد حياة نضالية مثيرة استحق عليها تقدير العالم بأسره.

فاصلة: «عندما تصعد إلى قمة جبل، ستكتشف أن هناك جبالا أعلى منه يتوجب عليك صعودها»... مانديلا.

ahmad.alfarraj@hotmail.com

تويتر @alfarraj2

مقالات أخرى للكاتب