Tuesday 10/12/2013 Issue 15048 الثلاثاء 06 صفر 1435 العدد
10-12-2013

المختَلفُ حولهم!

بدون أن يكون الإنسان حرّا، ومسئولا عن حريّته أي أنه يمارسها دون أن تمسّ أنوف الآخرين ودون أن تنطوي على إساءات قابلة للتأويل بحيث يمكنه أن يخرج منها -كما تخرج الشعرة من العجين- ويجيّرها لحساب مناوئيه دون أن يوفّر ثقافة الكراهية والازدراء والتعصّب التي تنضح من خطابه الأعرج والأعور كونه اطمأنّ إلى براءته من تهم الإقصاء والنرجسية التي تملي عليه معظم -بل:

كل- تصرفاته ولغته التي تظل وسيلة (نقل) ولكنها وسيلة تشبه (البغل) لدى مقارنتها بوسائل النقل السريعة والمتفوقة التي سخّرها الله لتمنح المزيد من الراحة والهدوء بل و-الرفاهية- لمستخدميها. ولكنّ كلمة الحرية من أكثر المفردات قبولا للتأويلات التي بعضها (مُغْرض) والكثير منها يشبه حكايا الأساطير التي بدأ الإنسان يتخلص منها ومن سطوتها على (الذهنية) العامة. ولذا فإننا لا نحترم قولا زائفا لمجرد أن مطلقه كان (يمارس) حريته. ولا يمكننا الانقياد لرأيٍ لمجرد أن صاحبه يملك جماهيرية مصادفة ومفعمة بالسذاجة!. ومن الطبيعي وبعد هذه المقدمة الطويلة إلى حدّ ما، أن كثيرين منكم عرفوا -إن لم يكونوا رأوا رأي العين- من الذين نقصدهم حين نعتبر الحرية نقيضا للحقّ وعدوّا للعدل وأنها لا تعدو كونها شغبا لا يملك جماليات شغب الأطفال، بل إنه يعيش طفولة متأخرة ومعاقة تتمظهر في كونه ممتلئا بنظرية -من أمنَ العقوبة أساء الأدب- فتلك تعويذته، وتلك وسيلته الوحيدة لممارسة إبهار الآخرين بمدى قدرته على إطلاق التوصيفات ما هبّ منها وما اكتفى بالدبيب ضدّ كل المختلفين معه لسبب هو أنهم (مختلفون) معه!، ودون مبررات هذا الاختلاف ودون أن يمنح المراقب فرصة دراسة الموقف. ومن البديهي أنه دون دراسة الموقف والإحاطة بمسبباته ودواعيه يسهل خداع الآخرين وممارسة التزييف لوعيهم - والمزيّفون يعملون طبقا لمبدأ إنه إن نجحتَ في التمويه والتعسف فقد حققت هدفك ووصلت غايتك التي ربما تكون من أكثر الناس احتقارا لها ولكنك تؤديها كونها وظيفتك في هذه الحياة التي يدرك الجميع تفاهتها ولكنهم يؤمنون عميقا بضرورة ممارسة طقوسها كشيء يشهده الناس بلا أدوات إضافية لتقوية البصر وسيقولون ما يرون. لن تجدَ في كل وسع هذا العالم من يكون (سترا وغطاء) لأخطاء الذين يخطئون رغم اتخاذهم كل سبل الوقاية الممكنة، بل إنك لمفيق من منامك لتسمع ماذا فعل فلان وماذا ارتكب علاّن وكيف تصرف شخص ما تصرفا غير منطقي ولا مبَرّر بسبب كونه أساء التقدير فحسب!. وهكذا يتمّ تجريد الإنسان من كلّ سُبِل الدفاع عن نفسه أو تبرير موقفه -محلّ الاعتراض- بإرادة خارجة عن القوانين وغير معنيّة برسم الخطوط العريضة لسلوك الفرد. تلك أمور ربما يجهل كثيرون من خارج المجتمع، من الأمكنة الشديدة البُعد والممعنة في الاختلاف كم هي خانقة! وكم هي بالغة التدخّل في شئون الفرد الشخصية بطريقة تشعر إزاءها كم هي مشدودالأزر وكم هي مسيطرة على الرأي العام ومتدخلّة في صياغته، ومطمئنّة إلى كونها محميّة ومدعومة من قوىً متناقضة يجمعها فقط وضعها المالي الذي يسيطر تماما في المجتمعات الناشئة ويرسم بلا أدنى شعورٍ بالمسئولية ولا إحساس بمصائر الآخرين الذين يعارضونها، معتبرين تدخّلها في المسائل الفردية والمتعلقة بحقوق الأفراد وضرورة انطلاقها من الحسّ الجماعي بكونها تعني فقط من يعملون بها أو يعتبرونها مجرّد شكل من أشكال السلوك الذي لا يؤثر لا سلبا ولا إيجابا فيما يسمّونه الشكل المثالي للمعيشة ويوصلونه إلى حدّ (المقدّس).

إنّ هذه علّة المجتمعات التي تنظر إلى نفسها تلك النظرة المبالغة في الإعجاب بنفسها إلى حدود (النرجسية)، إذْ تعتبر نفسها ملائكية وغير مسبوقة ولا شبيه لها. فكيف يمكن لحلّ ٍ ما أن يقتلع الغلوّ في الذاتية ويسعى للمساواة بين الناس باختلاف أوطانهم.

hjarallah@yahoo.com - alhomaidjarallah@gmail.com

حائل

مقالات أخرى للكاتب