Thursday 12/12/2013 Issue 15050 الخميس 09 صفر 1435 العدد
12-12-2013

ضد الديموقراطية!

الديموقراطية شكل من أشكال الحكم، وهي نظام سياسي له قواعده ومبادئه، وهذا النظام يناسب البيئة المهيئة له، ولا يمكن للديموقراطية أو أي نظام سياسي آخر أن ينشأ من العدم، أو يُطبق بضغطة زر.

في منطقتنا هناك أشخاص مجتهدين ولديهم آراء سياسية، لا يحق لي الاستهانة بها، أو وصف أصحابها بالعجلة والجهل، أو النظرة القاصرة أو المحدودة أو السطحية،

وهؤلاء يتشدقون بالمصطلحات السياسية دون فهم للمصطلح، أو دون تحديد للهدف، والمقصد الأول والأخير الاعتراض بالصوت العالي، وطلب المثاليات التي فهم عقله شيئاً منها وبالتأكيد لا تتوافق مع سلوكياته ولن تطبقها جوارحه.

ومنهم من يطالبون بـ”الديموقراطية” أو يتمنونها، أو يعتقدون بأنها المرام الأسمى للنضال السياسي، وليسمح لي هؤلاء بأن أعارضهم، ليس حباً بالمعارضة كما اعتادوا في مناكفاتهم وسجالاتهم، ولكن لتوضيح وجهة نظري المتواضعة، لأني أعتقد بأن الديموقراطية شكل من أشكال الحكم وليست سلوك سياسي فقط، وليست ممارسة فردية في الغالب، ولا يمكننا أبداً اعتبارها المثال النموذجي للحكم ولا يمكننا أيضاً التغاضي عن سلبياتها، وموافقتها لبيئات تختلف عن هذه المنطقة من حيث التكوين الاجتماعي والثقافي والديني، وحتى في بلادها ومنذ ولادتها علينا أن لا ننسى بأن مفكرين كبارا جايلوا سقراط وأفلاطون وبعدهم في حياة ماركس وفيبر هاجموا فكرة الديموقراطية ووصفوها بـ”حكم الغوغاء” وهو وصف قاس لتجربة كانت تعيش التطور الطبيعي لها في تلك الأزمنة.

وهذا الوصف يمكننا استيعابه إذا رأينا خيارات الشعوب، والتي فضلت التطرف في أحيان كثيرة دون ادراك لعواقبه، وهنا يظهر بأن أغلبية الشعوب وحتى تلك التي سبقت منطقتنا في العلم والحرية والممارسة السياسية المفتحة، تعاني من محدودية الفهم، وتفضل الخيارات الحديّة، والأمثلة كثيرة ومثيرة.

لا يعني هذا أن مثاليات الديموقراطية مرفوضة، كما لا يعني بأن من يرفض الديموقراطية يقبل بالبطش والشمولية والقمع وتقييد الحريات، ولأن لكل دولة نظام حكم يفترض بأنه الأنسب لبيئتها، علينا الانشغال في ترسيخ الأسس المثالية التي قام عليها النظام. فأي نظام مهما كان لم ينشأ من العدم، بل يحمل قيماً ومبادئ أخلاقية وإنسانية وقواعد مستمدة من عقيدة الشعب ومن تاريخه وثقافته وأعرافه ومن يبحث في نشأة ما يعرف بالديموقراطية، سيعرف أنها مرت بمخاضات كثيرة، ومنذ ولادتها في أثينا القديمة بالقرن الخامس الميلادي، وتطورها في عصر النهضة الأوروبية واختلاطها بالقيم الثورية الأميريكية والفرنسية بالتحديد، إضافة لما أسبغته عليها الأديان والأعراف والواقع الاجتماعي والثقافي من محسنّات تتوافق مع الأمزجة الشعبية، وتخدم بالتأكيد المصلحة السياسية والاقتصادية، سيعرف بشكل جيد أن النظام السياسي لا يولد ناضجاً، ويحتاج إلى الوقت والجهد والوعي لتطويره وتجويد آدائه.

ومن يريد فهم الديموقراطية واختصارها بتعريف واحد لتدلل على الحرية أو التعددية أو حكم الشعب هو مخطئ مصيب، لأنه سيأتي بوجه واحد لنظام سياسي له وجوه عديدة وأوجه فهمه وتعريفه ليست محدودة، لذا لا بد أن نعرف واقعنا الاجتماعي والثقافي والسياسي قبل المطالبة بأنظمة الغير وأفكارهم، حتى لا نخسر الحقيقة التي بين أيدينا ونبحث عن وهم أو حلم ربما هو بعيد عن واقعنا ولن نستطيع التكيف معه.

في منطقتنا، يجب أن نستثمر بالإنسان، وأن نبتعد عن التنظير الممل، وأن نشغل أنفسنا في تحقيق الوفاق الكامل بين مكونات المجتمع، وأن نرفع الوعي، لأن الوعي سيجعل خياراتنا أكثر نضجاً، وسيجعلنا ننظر للكوب بنصفيه الملآن والفارغ، لنسكب المزيد من الإيجابيات بحسب الحاجة، وفي الخليج بالتحديد لدينا صيغة فريدة تجمع الشعب بالسلطة، علينا تعزيز إيجابياتها لنبقى نموذج الاستقرار في منطقة عربية لا يكاد يفارقها الخوف والدم.

حمانا الله...

Towa55@hotmail.com

@altowayan

مقالات أخرى للكاتب