Friday 13/12/2013 Issue 15051 الجمعة 10 صفر 1435 العدد
13-12-2013

صورة تختزل قصة إنسان «بين الإساءة ..والدفاع»

«الإمام» لها رؤية ورسالة مثل غيرها من جامعاتنا السعودية التي عملت على صياغة رؤيتها ورسالتها وحددت أهدافها الإستراتيجية بكل عناية وإتقان، واستماتت وما زالت تعمل جهدها في الحصول على أرقام متقدمة في سلم التصنيف العالمي للجامعات، ولكن هذه الجامعة العريقة تمتاز عن البقية القديمة منها والناشئة أنها لم تقف عند هذا الحد، بل استشعر معالي مديرها والقيادات الأكاديمية فيها مسئولياتهم الأممية والوطنية فحملوا هم تبليغ رسالة الإسلام، والدفاع عن محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام بأسلوب علمي مدروس ورؤية عالمية عصرية واعية وواثقة ومنهجية وسطية متزنة وناضجة، ولعل من بين الشواهد الكثيرة التي يمكن سياقها في هذا المقام مؤتمر « الحوار وأثره في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم» والذي حظي برعاية كريمة من لدن مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ونظمه مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز للدراسات الإسلامية المعاصرة وحوار الحضارات في الجامعة خلال يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين 7 – 8-2-1435هـ، وشهد مشاركة عالمية واسعة وإقبالاً كبيراً من الباحثين والمختصين والمفكرين المهتمين بهذا الموضوع . ولعل من المشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي صورة معالي الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الرحمن السديس الرئيس العام لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي وإمام الحرم المكي وهو يخلع مشلحه ويلبسه الدكتور «أرنولد فان دورم» الهولندي المعروف جيداً من قبل شريحة عريضة من المسلمين خاصة من يعيشون في الغرب عموماً وأوروبا على وجه الخصوص.

إن هذا المشهد ببساطته وتلقائيته يكشف لنا ويذكرنا بأمور هامة، يجب - في نظري - الوقوف عندها والتبصر بدلالاتها وقراءتها بعمق ، ولعل من بينها:

* أن هداية البشر بيد الله فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ولذا لا تظن أن أحداً لا يمكن أن يتغير أو تتبدل حاله مهما كان غارقاً في وحل الضلالة سالكاً سبل الغواية متنكباً طرق الخير، فهذا أساء للرسول قبل سنوات وهاهو اليوم ينتظم في قافلة المدافعين عنه وأين .. ومع من .. ويوجه رسالته لمن .. ويتحدث عن رحلته بحثاً عن الحق فيقول .. ويضحى بزوجته وأولاده وأهله وحزبه ومنصبه وجاهه من أجل ... يفعل ذلك رغبة بما عند الله وخوفاً ووجلاً وخشية من عقابه .

* إننا مرشحون في هذه البلاد المباركة لهداية البشرية خاصة في هذا الوقت بالذات الذي يبحث فيه العالم بلا استثناء عن منقذ يأخذ بيده إلى بر الأمان ويرشده إلى طرق السلامة والاطمئنان، « عقدياً وسلوكياً واجتماعياً وفكرياً واقتصادياً وسياسياً «، وخلاف ما يعتقده البعض من أن «عصر العولمة « هو «زمن الأمركة « فإنني أرى أن الأبواب والنوافذ والممرات والطرقات في هذا العصر مشرعة لكل صاحب فكر ناضج ويتلاءم مع معطيات الواقع ويلبي متطلبات الشخصية العالمية، ولذا ليس ببعيد أن يكون العصر «عصر الأسلمة»، فالإسلام متى ما التقى مع أي فكر أو دين على طاولة الحوار الحر وكان من يمثل هذا الدين في هذه المائدة المستديرة على وعي ودراية بالمستجدات والتحديات والمنطلقات والغايات ويملك ناصية القول السديد والدليل الرشيد فالغلبة لهذا الدين جزماً، والهداية والتوفيق بيد الله، والواجب علينا البلاغ وبذل الأسباب ومن ثم ترك النهايات للواحد القهار الذي إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون .

* إن على جامعاتنا وهي تسعى للوصول إلى العالمية أن تحافظ على هويتها وتستشعر مسئوليتها الأممية ولا تنسى شرف انتمائها لهذه البلاد المباركة، وهذا يوجب الالتفات الحقيقي للتخصصات الإنسانية التي تبنى ركائز الأمة الثقافية وتوجد البناء الحقيقي لقواعد التفاعل الفاعل مع الأخر أياً كان بكل ثقة واقتدار.

* إن المؤتمرات والندوات والمراكز ذات البعد العالمي والتي تستقطب الأكاديميين والمفكرين من دول العالم سواء المتقدم أو المماثل ذات أهمية بالغة في عالم اليوم، إذ أن الصورة الذهنية المشوهة عن شخصية الإنسان السعودي، وعن التنمية المستدامة في بلادنا لدى أمثال هؤلاء النخب جراء ما يبثه الإعلام المسيس من مشاهد وما يقوله من حكايات ونتيجة ما تكتبه الأقلام الحاقدة والمأجورة ستزول في الغالب الأعم حين يرون بأعينهم ما كان من قبل بالنسبة لهم غيب.

* إننا رقم مهم في عالم الرفض فنحن من خلال حملة المقاطعة أثرنا على تفكير أرنولد.

إنني في الوقت الذي أشيد فيه بجهود هذه الجامعة العملاقة « جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية « لازماً علي أن أثمن لمعالي مديرها الأستاذ الدكتور سليمان أبا الخيل وللفريق الذي يعمل معه ما يقدمونه من أعمال ومشاريع نوعية مميزة وتستحق وصفه الريادة الحقيقية التي ننشدها في مؤسساتنا التعليمية ومنتدياتنا الثقافية والفكرية، شكر الله للجميع ما يبذلونه من وقت وجهد وسدد الله الخطى، دمتم بخير، وإلى لقاء والسلام.

مقالات أخرى للكاتب