Monday 16/12/2013 Issue 15054 الأثنين 13 صفر 1435 العدد
16-12-2013

العدالة المفقودة في حياة المسلمين

لم تفتخر أمة على وجهة الأرض برسالة العدل كما فعل المسلمون، فقد أوصى الدين الإسلامي بإرساء العدالة في الحياة في أكثر من آية، واحتوت السنّة النبوية على نصوص تحث بشكل مباشر بتطبيق منهج العدل في حياة المسلمين، لكن واقعهم منذ أكثر من ألف عام كان أبعد بكثير من مفاهيم العدالة التي ظهرت بوضوح تام في الآية الكريمة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ، والتي تم ترجمتها ثم كتابتها على مدخل كلية الحقوق في جامعة هارفارد الأمريكية، كما تداولها كثير من النشطاء في العمل الإسلامي الدعوي.

في مفارقة مدهشة تختفي تلك المفاهيم العدلية الصارمة من الإرث اليهودي المسيحي، بل ربما تحتوي بعض النصوص التوراتية دعوات للتعامل مع الأغيار بصورة مختلفة عن معاملة اليهود، لكن مع ذلك توصل العقل الغربي إلى تحقيق العدالة في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ووصلوا إلى مراحل أقرب للعدالة المنشودة في حقوق الإنسان، ونتيجة لذلك أصبحت أوروبا والغربية وأمريكا وكندا وجهة للمهاجرين الهاربين من جحيم أمة المسلمين، والتي تعيش في عصور من التسلُّط وفرض الأمر الواقع، وهو ما يثير العديد من الأسئلة عن تلك المفارقة العجيبة، ولماذا تغيب تلك المفاهيم عن حياة المسلمين بينما تزدهر في حياة الغربيين.

في الواقع المسلم لا نحتاج إلى براهين إلى إثبات النتيجة المؤلمة، فالأرقام تتحدث عن الانحياز والفساد وعدم تساوي الفرص في الحياة العامة للمسلمين، ويظهر إنكار الحقوق في مشاهد واضحة لا تحتاج إلى دليل، وقد تسمعها من أي شخص خاض تجربة شخصية في البحث عن حقه الخاص أو الحق العام، وقد تسمعها من القاضي عندما ينصحك بالصبر واحتساب الأجر وعدم الإصرار على الحصول على حقك الخاص، كذلك تظهر في عالم المحاماة عندما يتخلّى المحامي عن قضيتك في منتصف الطريق لحسابات لها علاقة بالنفعية الاجتماعية، وتجدها في الحياة العملية عندما تفرض المحسوبية سلطتها في حصول البعض على الوظائف، أو في توزيع المكافآت والمناصب أو في إنكار حق لغير المحسوبين.

في الواقع المسلم لا يختلف الحاكم والمحكوم في ذلك الانفصام بين النظرية والتطبيق، ويشتركان جميعاً في تلك المتلازمة التي لا يمكن إخفاؤها بالمبالغة في المديح والإطراء، لأمة أضاعت طريقها بسبب ظواهر التسلُّط، التي تقف كالسد المنيع ضد التطور نحو مجتمع العدالة، الذي يرسي مبادئ الإنصاف والإحسان في مختلف ظواهره الاجتماعية والاقتصادية والسياسية..

في الواقع المسلم المعاصر تبرز مشاهد النفاق السياسي والديني في أبشع صورها، وتختفي العدالة بكل ما تعنيه الكلمة، ويزيد من الأمر سوءاً تورُّط النّخب الدينية والاجتماعية والثقافية في منظومة الفساد لدرجة يصعب أحياناً تصديقها، في حين أصبحت تلك المفاهيم في الغرب رمزاً لحضارتهم التي سادت ولا زالت تسود العالم.

في الواقع المسلم ، تبدو مظاهر الانفصال عن الواقع عندما يتم تسخير قوى المجتمع في إقناع الناس أنّ ما يحدث هو أحد صور الإسلام المشرقة، وأنّ خيارهم الآخر هو التطرف الذي لا يتردد في تفجير الناس في بيوتهم تطبيقاً للتفسير الدموي للإسلام، والذي يفسر الدين الحنيف على أنه دعوة لقتال لا يتوقف مع الآخرين حتى يدفعوا الجزية وهم صاغرون...،

خلاصة الأمر أنّ الإرث الإسلامي يزخر بنصوص خالدة تدعو للتسامح والعفو والسلم والعدالة، لكن بعضهم يجد أيضاً في ذلك الإرث ما يدعو للاقتتال والتفجير، والمفارقة أنهم ، في بُعد تام عن مفهوم العدالة، كانوا ولا زالوا أكثر حرصاً في تطبيق دعوات الاقتتال أكثر من دعوات التسامح والعدالة.

مقالات أخرى للكاتب