Friday 20/12/2013 Issue 15058 الجمعة 17 صفر 1435 العدد

«الدعيجي» لـ«الجزيرة» للأسف البعض وصل به الأمر إلى الغش في العبادات

أكاديمية متخصصة في العلوم الشرعية تحذر من انتشار ظاهرة الغش في المجتمعات الإسلامية

الرياض - خاص لـ«الجزيرة»:

حذرت متخصصة في القضايا الإسلامية من ظاهرة الغش في المجتمع المسلم، وتفشيها بين أفراده الأمر الذي يعكر صفو المجتمعات، ويظهر فيها بوادر الحقد والغل، وحب الانتقام، مستعرضة مفهوم الغش وأدلة تحريمه في الكتاب والسنة، وأنواعه وأسباب ظهوره، وقالت الأستاذة أمل بنت عبدالله الدعيجي المحاضرة بقسم الثقافة الإسلامية في جامعة الملك سعود في حديث لها عن ظاهرة الغش: إن من أكبر النعم التي شرعها الله عز وجل في كتابه، وأرسل رسوله ليحققها وينشرها بين الناس، الأمانة والعدل بين الناس، فما أجمل المجتمعات حين يسودها العدل، وما أجمل أبناء المجتمع حين يكون كل فرد رقيبا على نفسه حسيبا على أفعاله لا ينتظر رقابة من أحد، بل جعل الله رقيبه في السر والعلن، وإن مما يكدر صفو المجتمعات، ويظهر فيها بوادر الحقد والغل، وحب الانتقام ظهور الغش، بين أفراده وإشاعته في لبناته، فآثار الغش سيئة، ومفاسده عظيمة، فالمعنى اللغوي للغش هو: ما يخلط من الرديء بالجيد، فمفهوم الغش راجع إلى شيء واحد وهو الخداع وعدم التبيين، فما يخلط من الرديء بالجيد، وعدم الصدق في النصيحة هي من نتاج الخداع وعدم الإيضاح والتبيين.

وتحدثت أمل الدعيجي عن الغش في القرآن الكريم فقالت: لم أقف على آية واحدة صريحة في ذكر الغش، بل جاء القران حاثاً على العدل، ناهياً عن الظلم والغش في كثير من المجالات، في الوفاء بالعهد، وإتمام البيع، وأداء العبادات بشروطها، ويقول الله عز وجل في من نقض العهد: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} البقرة، وقال: {إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ} الأنفال، وقال سبحانه: {والَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}.

ومضت تقول: وقال الشيخ السعدي رحمه الله: وصف الله الفاسقين فقال: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} وهذا يعم العهد الذي بينهم وبينه والذي بينهم وبين عباده الذي أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والإلزامات، فلا يبالون بتلك المواثيق; بل ينقضونها ويتركون أوامره ويرتكبون نواهيه; وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق، وقال ابن القيم في زاد المعاد (3 / 557) وَمِنْهَا: أَنّ عَقْدَ الْعَهْدِ وَالذّمّةِ مَشْرُوطٌ بِنُصْحِ أَهْلِ الْعَهْدِ وَالذّمّةِ وَإِصْلَاحِهِمْ فَإِذَا غَشّوا الْمُسْلِمِينَ وَأَفْسَدُوا فِي دِينِهِمْ فَلَا عَهْدَ لَهُمْ وَلَا ذِمّةَ وَبِهَذَا أَفْتَيْنَا نَحْنُ وَغَيْرُنَا فِي انْتِقَاضِ عَهْدِهِمْ لَمّا حَرَقُوا الْحَرِيقَ الْعَظِيمَ فِي دِمَشْقَ حَتّى سَرَى إلَى الْجَامِعِ وَبِانْتِقَاضِ عَهْدِ مَنْ وَاطَأَهُمْ وَأَعَانَهُمْ بِوَجْهٍ مَا بَلْ وَمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ وَلَمْ يَرْفَعُوا إلَى وَلِيّ الْأَمْرِ فَإِنّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْغِشّ وَالضّرَرِ بِالْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، ومن الأحاديث في تحريم الغش ما رواه مسلم في صحيحه (1 / 69رقم 294) عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، وأخرج -أيضاً- (1 / 69295) عن الْعَلاَءُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً فَقَالَ «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ». قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَىْ يَرَاهُ النَّاسُ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّى»، وشكا رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع فأوصاه إذا بايع أن يقول: لا خلابة. وبوب له البخاري (5 / 319) بباب ما يكره من الخداع في البيع، وذكر هذا الحديث، وجاء عند النسائي (7 / 252رقم 4485)عن سعيد عن قتادة عن أنس أن رجلا كان في عقدته ضعف كان يبايع وأن أهله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله احجر عليه فدعاه نبي الله صلى الله عليه وسلم فنهاه فقال: يا نبي الله إني لا أصبر عن البيع. قال إذا بت فقل لا خلابة، مشيرة إلى أن الإسلام حرم العديد من بيوع الجاهلية لما اشتملت عليه من غش وخديعة للمتبايعين أو أحدهما، فحرم الربا، ونهى عن تلقي الركبان، وعن بيع الحصاة، وعن بيع حبل الحبلة، ووضع شروطاً لبيع السلم.

وتساءلت أمل الدعيجي فيما يكون الغش؟ وأجابت قائلة: إذا ذكر الغش دائما يلوح في الأذهان صورة السوق والبيع والشراء، في حين أن ديننا لم يقصر الغش على جانب معين دون غيره، بل نهى الإسلام عن الغش في كثير من المسائل منها:

1. الغش في العبادة: فالله سبحانه جعل العبد مستأمناً على أداء عباداته وإخلاصها له، إذ إن الناس ليس لهم حكم عليه إلا في ظاهر عمله، ولذا خص الله عز وجل عبادة عظيمة وهي الصوم لنفسه لما فيها من صدق العبد مع الله في أدائها.

2. الغش في نصح الولاة، وهو كل من ولي أمر المسلمين سواء الولاية العامة أو الخاصة: أخرج أبو عمرو الداني في السنن الواردة في الفتن (2 / 408 رقم 149) عن ابن مهدي عن أبي الأحوص سلام بن سليم عن أبي إسحاق عن عريف الهمداني قال: قلت لابن عمر: إنا إذا دخلنا على الأمراء زكيناهم بما ليس فيهم فإذا خرجنا من عندهم دعونا الله عليهم. قال: كنا نعد ذلك النفاق.

3. الغش في المعاملات الأخوية بين المسلمين: فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخلاص النصيحة، وجعل المستشار مؤتمناً، قال ابن القيم في مدارج السالكين (2 / 90): وفي الصحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم. أي لا يبقى فيه غل ولا يحمل الغل مع هذه الثلاثة بل تنفي عنه غله وتنقيه منه وتخرجه عنه فإن القلب يغل على الشرك أعظم غل وكذلك يغل على الغش وعلى خروجه عن جماعة المسلمين بالبدعة والضلالة فهذه الثلاثة تملؤه غلا ودغلا ودواء هذا الغل واستخراج أخلاطه: بتجريد الإخلاص والنصح ومتابعة السنة.

4. الغش في المعاملات: سواء من البائع أو المشتري، ولذا -تقدم- أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كثير من بيوع الجاهلية لاشتمالها على الغش والخديعة للمسلمين ، قال ابن القيم في بدائع الفوائد (5 / 71): سألت أحمد عن رجل يعمل القلانس ويبيعها فربما خلط القطن العتيق بالقطن الجديد أو بشيء من الصوف وحشي القلانس به؟ قال: «هذا من الغش وأكره له ذلك إلا أن يعرف من يشتريها أن القطن فيه عتيق وفيه صوف».

5. الغش في تربية الأبناء: جاء عن مَعْقِل بْنُ يَسَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَال: قَال رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: لاَ يَسْتَرْعِي اللَّهُ عَبْدًا رَعِيَّةً يَمُوتُ حِينَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهَا إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، وَفِي رِوَايَةٍ: مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ )، وقال عليه الصلاة والسلام: (كلكم راع ومسئول عن رعيته).

وخلصت إلى القول: فمن هذه المسؤولية التي حملها الإسلام على عاتق رب الأسرة يتوجب عليه النصح لرعيته ومن هم تحت يده، فيخلص في تربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة، والتوجيه لهم باختيار الرفقة الطيبة الناصحة، والنظر فيما هو أصلح وأيسر لهم في أمور حياتهم.

ومن الغش المنهي عنه النهي، غش أحد الزوجين للآخر سواء في فترة الخطوبة أو بعدها، فيجب على أهل كل من الزوج والزوجة بيان ما في ابنهم وابنتهم من عيوب خلقية، أو صحية حتى يكون الزواج على بينه، كذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تغيير الشيب بالسواد، لما يشتمل عليه من الغش والتدليس، كذلك النهي عن وصل الشعر، وعن وشر الأسنان وبردها، ونهى عن النمص لاشتراكهم جميعاً في العلة ذاتها.

بعد ذلك تحدثت أمل الدعيجي عن أسباب ظهور الغش ذاكرة منها أولاً: البعد عن نصوص الكتاب والسنة، وتطبيقها في جميع المعاملات، فالله عز وجل لم ينزل كتابه، ويبعث رسوله، لفترة من الفترات دون غيرها، أو في نواحي الحياة دون نواحي أخرى ، بل جاء كتابا شاملا، ودينا تاما يوجه وينصح ويربي في المسجد، والبيت، والسوق، فبُعد المسلم عن النصوص أو حفظها دون تطبيق لها من أهم أسباب انتشار الغش.

2. البعد عن الله عز وجل، والانشغال بالدنيا على حساب آخرته، فمن الناس من تناسى اليوم الآخر أو أنه سيموت، وأن الموت مفاجئه. فتراه يبحث عن لذاته وشهواته المالية دون اعتبار أو حساب، وقد أخرج البخاري في صحيحه (5 / 261رقم 2083) من طريق ابْن أَبِي ذِئْبٍ قال حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ).

3. سوء التربية: فينشئ نشء تعود على الغش لما يراه من تعامل المحيطين حوله، فيعتاده ولا يرى أي عضاضة في التعامل به مستقبلاً على أنه نوع من الذكاء وجودة الحيل وحسن التصرف.

4.غياب المفهوم الصحيح للغش لدى الناس، مما أوقع بعضهم في الغش وهو لا يعلم، كذلك قصر الغش على مسائل البيع والشراء فقط فنجد الشخص يتحرى في معاملاته المادية وتخفى عليه الجوانب الأخرى.

واستعرضت بعد ذلك آثار الغش في المجتمع ومنها: انعدم الثقة بين أفراد المجتمع، واستنزاف المستهلك، ولذا وضعت شروط لصحة السلم، وأبطل بيع الغبن، وظهور العداوات، والحسد، والظلم، وانعدام التعاون والتآخي بين أفراد المجتمع إذ إن كل فرد مشغول بمصالحة وجمع ما ينفعه بأي طريق كان، وفشو الجرائم خاصة إذا انتشر الغش، ولم يؤخذ بحق المظلوم منهما.

وسألت أمل الدعيجي -في ختام حديثها- عن الغش ومخالفته للشريعة، الله -عز وجل- أن ينفع به وأن يحمي مجتمعاتنا الإسلامية عن فشو الأخلاق الساقطة فيها ومنها الغش، وأن يجعل أفراد الأمة الإسلامية أفراداً متسامحين متناصحين يصدق فيهم قول الله ـ عز وجل ـ عن أهل الجنة: {ونزعنا ما في صدورهم من غِل}.