Saturday 21/12/2013 Issue 15059 السبت 18 صفر 1435 العدد
21-12-2013

رخاوة الأنظمة شجعتهم

قالت العرب - وهي المتفرّدة بالفصاحة - حكماً تعد من درر الكلام، ما زالت تَخْتَزن رحيق التجارب وتقدمها للعقلاء موجزة يتدبرون معانيها، وأبو الطيب المتنبي هو سليل هؤلاء الأماجد ووريث مَلَكَاتهم الشعرية الزاخرة بالحكمة النادرة التي لا يملك صياغتها إلاّ متمكن من صناعته، ومَضَت أقواله صالحة لكل زمان، حتى إنه يمكن تطبيقها على وقائع تحدث الآن أمام أعيننا، تأمل قوله:

(وَما قَتَلَ الأحرارَ كالعَفوِ عَنهُمُ

وَمَنْ لكَ بالحُرّ الذي يحفَظُ اليَدَا

إذا أنتَ أكْرَمتَ الكَريمَ مَلَكْتَهُ

وَإنْ أنْتَ أكْرَمتَ اللّئيمَ تَمَرّدَا).

ما أجمل هذا المعنى، إنه يصدق على فئة من العمالة والوافدين للعمل سواء من كان نظامياً أو مخالفاً متسلّلاً، وهذا بطبيعة الحال لا ينطبق على كل وافد شريف تسمو به أخلاقه وعلو همّته، فهناك من قرأ المكرمات والمبادرات التي قدّمتها حكومة خادم الحرمين الشريفين لفئة من المقيمين بالمرونة والتسامح في مسألة ترحيلهم لبلادهم عند اقترافهم للجرائم والمخالفات أو انتهاء مدة إقامتهم، وذلك نظراً لأوضاع غير آمنة تعيشها بلادهم، أو لإجراءات معمول بها منذ سنين في إيواء فئة أخرى، قرأوا هذه الإجراءات والتسهيلات بطريقة خاطئة، فما إن شعروا بالاطمئنان في البلد الأمين حتى أخذوا بالتمادي في ارتكاب الممنوعات بل المحرمات وتجاوز الأنظمة والإخلال بالمعايير والقيم المتبعة هنا، وكل ذلك في سبيل الانفلات في طلب المال بأي وسيلة والانسياق وراء المتعة المحرّمة وتحدي كل الأنظمة والضوابط الشرعية المرعية، بل مقاومة رجال الأمن والحسبة في أحوال كثيرة، لمجرد أنهم وجدوا في بوادر الخير من مملكة الإنسانية هوامش ليّنة تصنفهم في درجات الأخوة العربية الإسلامية، وتمنحهم كرامة الأشقاء، غير أنهم لم يوفوا حق هذه المشاعر الممنوحة لهم، فتطاولت أيدي البعض (ولعلهم قلة) في الغش والتزوير والسرقات وابتزاز الفتيات وترويج الممنوعات والمحرّمات، ساعدهم في ذلك (ما قد يمكن تسميته) رخاوة الأنظمة تجاههم، فالمبادرات الحسنة تكون لمن يستحقها، أما غيرهم من العاقّّين للحضن الحنون الذي احتواهم وآواهم فليس له - في رأيي- إلاّ النظام الصارم من غير ظلم ولا عدوان، عد وتأمل قول أبي الطيب:

(وَقَيّدْتُ نَفْسِي في ذَرَاكَ مَحَبّةً

وَمَنْ وَجَدَ الإحْسانَ قَيْداً تَقَيّدَا)

فحين لا يلهج الإنسان بلسانه وتفعل جوارحه بما يمليه قلبه مما يجده من المعروف والصنائع الجميلة التي أسديت إليه سواء من الله أو من المخلوقين فهو منكر للجميل جاحد للنعمة.

إليكم حالة أخرى تدلّل على مدى اللؤم وقساوة مشاعر بعض الوافدين والمتسلِّلين والمخالفين (من الفئات الدونية)، فقد تناقلت الأخبار والصور مخالفة عامل آسيوي يجمع الأغنام والمواشي النافقة وينقلها إلى مطاعم يتعامل معها باستمرار تقدّمها كلحوم صالحة للاستهلاك، كما تواترت الأنباء عن جزارين من ذات الفئة يتحينون رمي النافقات من بهائم المزارع في كل المناطق ويبيعونها لحوماً في محلاتهم، فهي جريمة مزدوجة تستحق وقفات جادة وإجراءات صارمة تردع أولئك العابثين بأمن البلد المحتقرين لأهله، فهم حثالة فاسدة حتى في بلادها جلبتهم عصابات تتاجر بهم وتبتلينا بشرورهم، والأبشع أن سلطات تلك البلاد (الصديقة) تغمض الأعين عنهم!

t@alialkhuzaim

مقالات أخرى للكاتب