Saturday 21/12/2013 Issue 15059 السبت 18 صفر 1435 العدد

بس لحظة .. عناق العمالقة

قراءة - فهد السبيعي:

عمل بعد عمل (يقسو) محمد عبده على شباب الفن (المعاصر)، ويقدم لهم دروسًا جديدة في العطاء والأصالة والفن الرفيع متجاوزًا مطارديه بخطوات (طويلة) وبعيدة ليترك الركب خلفه في حيرة من (عطائهم) وما يقدمونه.

يظل محمد عبده الأجمل في (اختياراته) لأعماله كونه يحمل (صولجان الفن الأصيل) والأجدر على تقديم هذا الفن بشكل (لا يمكن) تكراره.

(عناق) العمالقة هو ما ينتج عنه عمل رائع - هكذا تقول الأساطير - ولأن محمد عبده العملاق الأول في الفن عاد إلى أنغام الدكتور عبدالرب إدريس الرائع و(التاريخ) المليء بالأعمال الجميلة، فمن البديهي أن يكون العمل (أسطورة) استحق أن يكون وحيدًا، ليحكي (لوحده) جماليَّة عمل جميل استمتعت به أسماع العاشقين، وتراقص على أنغامه (كليوبيد) الحب في كلِّ صباح دافئ وكل مساء عاشق..

من جماليات تركي آل الشيخ الشاعر العذب والجميل بصياغته لكلمات بسيطة بتركيبتها إلا أنها عميقة بحضورها.. شجيّة في قراءتها.. قريبة من القلب في سردها، فاختار (الأسطورة) عمله الأخير بعنوان «بس لحظة»، وكانت في فعلاً «لحظة» رائعة التي صدح محمد عبده بهذا العمل الجميل و»لحظة» أروع عندما عانقت أسماعنا..

البداية

كانت أنغام رائعة في الرد والبيان مرسومة بشكل دقيق، فظهرت مليئة بعنفوان الشجن الرائع والطرب الأصيل المرسوم في أحلى (نوتة)، ليكون نتاج عمل مليء بالسحر العذب لكل مستمعيه عندما صدح أبو نورة بكلِّ (سحر):

بس لحظة

قبل ما عني تغيب

خذني نبضه

خذني لك أوفي حبيب

خذني كل إحساس عمرك يا حبيبي

وانا لك كلك وبعضك

وقبل ما عني تغيب

بس لحظة

هذه التعابير الرائعة و(البسيطة) كانت تتحدث بكلِّ (دفء) عن الغياب الذي يقتل المحبين، وهو «الوتر» الذي اعتمد عليه الشاعر «لمعانقة» قلوبنا به فكتب عن الغياب والحب، ومرارة البعد بشكل جميل وتمكن من إخضاع مسامعنا له..

الرحيل من اللحظات القاتلة التي كثيرًا ما يعاني منه الأحباب، فكانت وقع موسيقى «الدكتور» أكثر عمقًا، وأجمل إحساسًا لمن يتمتع بجماليَّة الألحان:

لو تسافر

لو تسافر يعني تتركني لمين

للسهى أو للضناء أو للحنين

ولا لليل الحزين

اللي بعدك ماله آخر

غربتي غربة سنين

ودمعتي دمعة مهاجر

يعني تتركني لمين؟

ولا عندك مالي خاطر

إعادة لتساؤلات محزنة ذات شجن وذات مرارة تقتلها لحظة إعلان الرحيل.. الغياب عذاب في (داخل) كل من استمع لجماليَّة الكلمات ومصداقيتها لحياة عاصرت كل قصص الحب الأليمة التي تراقصت قلوب أبطالها (ألماً) لمجرد استماعهم لهذا العمل..

حكاية هذا العمل - مناجاة - ودعوة لتفكير في قرار آخر غير (الرحيل).

حكاية (حزن) لما ستؤول إليه الحياة بعد الرحيل وتصوره مستقبلاً مريرًا غني بالأحزان والألم..

والأجمل في الشطر المقبل معانقة الحب بالأمل، وتشبيه البقاء في الصبح والحلم بالطير كأحد أجمل التشبيهات، التي تذهب بكلِّ عاشق إلى أبعاد تحمل.. ابتسامات الأطفال.. وولادة زهور الربيع بين ركام الثلوج:

خذني لعيونك صباح

خذني يالقلب الكبير

خذني لاحلامك جناح

وطير فيني طير

للسماء ولي أبعد نجوم

كل لحظة وكل يوم

وفي (لقطة الختام) كانت - الرسالة - الأجمل التي صاغها (إحساس) آل الشيخ بفن الكبار بروعة الكبار وبإحساس الكبار

رسالة العاشق الأصدق لمحبوبه، وسرده المعنى الحقيقي (لوجوده) في حياته، - وكالعادة - كان لفنان العرب الحضور الأمثل والأروع لهذا النص الرائع متناغمًا مع اختيارات الدكتور، فغنى بجماليَّة واحترافية أكَّدت علو قدمه وأصالة فنه:

أنت أول حب في عمري

يا عمري

وأنت الأول والأخير

وفي عيونك أحلى دنيا

وأنت لي أحلى مصير

خذني كل إحساس عمرك يا حبيبي

وانا لك كلك وبعضك

وقبل ما عني تغيب

بس لحظة

كانت لحظة بل (لحظات) تلك التي يستمع بها المُتلقِّي لهذا العمل الجميل لفنان العرب الذي أراد أن يتيح لمحبيه الاستمتاع بهذه الأجواء الباردة من خلال معانقة هذا العمل الرائع الممتلئ بالشجن الدافئ والكلمات الحارة التي رسمت بشكل مميز جعل لأسطورة مثل محمد عبده في موقع لا يليق إلا به.