Saturday 21/12/2013 Issue 15059 السبت 18 صفر 1435 العدد
21-12-2013

«تجاوزات» الإعلام الجديد

مثلما نشكو من الفلتان الذي تطفح به التويتر وأخواتها من مواقع التواصل الاجتماعي، فإن المجتمعات الأخرى المتخلفة والمتقدمة على حدٍ سواء هي أيضا تشكو منه وتعاني أشد المعاناة.

وقد لاحظت، حين كنتُ أقرأ التغطيات الصحفية المنشورة في الأسبوع الماضي عن احتفاء إثنينية الأستاذ عبد المقصود خوجة بوزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة، أن بعض المداخلات التي جرت في الإثنينية والتي تناولت ما تحفل به مواقع التواصل الاجتماعي من تعليقات مسيئة كانت أقرب إلى التشاؤم، وذلك انطلاقاً من معرفة مستوى الوعي المتدني لبعض الفئات التي وجدت أن بإمكانها الدخول إلى تلك المواقع بكل حرية وتدوين ونشر كل ما تريده دون رقيب.

هذه الشكوى المتكررة يردّدها معظمنا بسبب المحتوى الهابط الذي يصدمنا أحياناً في تلك بعض المواقع. لكن ما يجب أن نتذكره هو أننا لسنا وحدنا الذين نعاني من المحتوى الهابط في المواقع الاجتماعية وفي الإنترنت عموماً بما في ذلك بعض المدوّنات وبعض الصحف الإليكترونية. وقد أشار الدكتور عبد العزيز خوجة إلى ذلك في إجاباته على المداخلات، وقال إنّ المتجاوزين يوجد أمثالهم في كل مجتمع «وقد كانت هذه الأشياء موجودة في الشارع وصرنا نراها على المواقع الإليكترونية».

هناك مجتمعات سبقتنا طويلاً في مجال التعليم والثقافة العصرية وتعاملت منذ وقت بعيد مع قضايا حرية التعبير، وكنا نتصور أنها وصلت إلى مرحلة من الرشد الثقافي والاجتماعي تخلّصت معها من العُقَد القديمة؛ لكننا اكتشفنا أنها هي الأخرى مصدومة بالتجاوزات التي برزت مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الجديد.

يبدو، إذن، أنها الطبيعة البشرية! فالإنسان بطبعه يضيق بالقيود ويتطلع إلى تحطيمها، وعندما تحين الفرصة فإنه لا يتردد في ذلك! ولأنّ المجتمعات البشرية المختلفة تسودها ثقافات مختلفة فلن تجد ـ بطبيعة الحال ـ من يتعصب في مواقع التواصل الاجتماعي الأمريكية للقبيلة أو حتى للمذهب الديني مثلما نرى عندنا، لكنك ستجد لديهم متعصبين تنضح تعليقاتهم بالعنصرية ضد مواطنين مثلهم ولكن من أصول أفريقية أو لاتينية. كما ستجد ما يندى له الجبين من ساقط القول في مواضيع ربما لو كان سيجموند فرويد رائد مدرسة التحليل النفسي حياً، لوجد فيها أرضية خصبة لتأكيد نظرياته حول الجذور «الجنسية» لكل أنواع السلوك الإنساني وما يتبعها من اندفاعات بدائية بهيمية.

والخلاصة هي أن تجاوزات مواقع التواصل الاجتماعي وُجِدْت لتبقى فهي لن تزول بالكامل ولكن قد تتغير قليلاً أو كثيراً بتغير المجتمع والأفق الزمني. ولو تخلصنا الآن أو غداً من عيوبنا الاجتماعية والثقافية الحالية، فسوف نجد أن عيوباً جديدة قد طفت إلى السطح ووَجَدتْ طريقها إلى مواقع التواصل الاجتماعية أو أي وسائل تواصلية جديدة تخترعها تقنيات المستقبل. أعتقد أن أقصى ما يمكن أن نفعله هو ترشيد التعامل مع هذه التجاوزات من خلال قوانين للتصدي للجرائم الإليكترونية، بقدر ما تساعدنا قدرتنا على إيجاد تعريفات محددة لهذه الجرائم، لأنه ليس بمقدور أحدٍ أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء ويعود بالناس إلى زمن الرقابة وخنق التعبير، حتى ـ للأسف ـ السيئ منه، فقد ولى ذلك الزمان إلى غير رجعة، وكل ذلك بفضل التقنية.

alhumaidak@gmail.com

ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض **** alawajh@ تويتر

مقالات أخرى للكاتب