Sunday 22/12/2013 Issue 15060 الأحد 19 صفر 1435 العدد
22-12-2013

أرى (البلدية) .. فأين (القروية)..؟!

منذ ما يقرب من أربعة عقود على وجه التقريب؛ أصبح لدينا وزارة تُعنى بالخدمات البلدية اسمها: (وزارة الشئون البلدية والقروية)، بدلاً عن تلك الوكالة التي كانت تتبع وزارة الداخلية، وتُعنى بمهام مدنية مثل: تخطيط المدن، ومراقبة التمدد العمراني، والنظافة، وصحة البيئة، والأسواق، إلى ما هنالك من خدمات لا تتجاوز حدود المدن بأي حال.

- والمتمعن في التركيبة اللفظية لاسم وزارة (الشئون البلدية والقروية)؛ يجد أن الوزارة الجديدة؛ معنية بالتراب الوطني كله، وليس فقط المدن التي فيها بلديات قديمة، تعمل على صياغة الشكل العام للمدن هندسياً وسكانياً وحضارياً، وتشرف على تمددها وتطورها، وتهتم بصحتها ونظافتها وجمالياتها، إلى غير ذلك من مهام هي مناطة بالأمانات والبلديات منذ زمن بعيد، فالعنصر الجديد المضاف لاسم هذه الوزارة، أو لنقل الشق الثاني من كيانها الجديد، وعملها الحديث المطور؛ هو (القروية)، مما دل ويدل؛ على أن الدولة كان في سابق تفكيرها وتخطيطها منذ هذا التحوير، العمل على توجيه التنمية الصاعدة في البلاد، إلى خارج المدن، مثل ما هو إلى داخلها، وتحديداً إلى القرى التي هي كيانات حضرية أصغر من المدن، وقد يكون البعض منها أسبق من كثير من المدن الطارئة، لكنها تتمتع ببنى سكانية وعمرانية وتراثية جيدة، ولها بعدها الحضاري، وقابلة للتمدد والنمو، وأنها لو جرى الاعتناء بها بما يوازي نسبة النمو السكاني فيها، لتحولت هي الأخرى إلى مدن صغيرة ورديفة، تغري أهلها وساكنيها على أقل تقدير؛ على البقاء فيها، والعيش مع بعضهم دون الهجرة إلى المدن، ومن ثم التسبب في الضغط على المدن الكبيرة، التي هي تعاني أصلاً من الإرباك، واكتظاظ السكان، ومن مشاكل في النقل والحركة وخلافه.

- هذا ما كان واضحاً منذ البدء، وانتظرنا عدة عقود كذلك لكي تترجم (وزارة الشئون البلدية والقروية) هذا المفهوم الجديد، وتُفعِّل الشق الثاني من اسمها: (القروية)، فهل فعَّلت هذا حقاً..؟

) من حقنا أن نسأل بعد مرور هذا الوقت الطويل؛ الذي استنزفت فيه وزارة الشئون البلدية والقروية مبالغ ضخمة من حصتها في الميزانيات، في مشاريع كثيرة داخل المدن: ماذا خصصتم لتنمية القرى..؟

- أعرف أن بعض البلديات في عدد من مناطق المملكة؛ سعت في السنوات الأخيرة؛ لأن تصل إلى القرى المحيطة بها، ولكن هذا الوصول- من وجهة نظري- لم يتجاوز تقديم خدمات بسيطة ومتأخرة جداً، مثل سفلتة الطرق والنظافة، ولم أر أو أسمع أنها اعتنت بتخطيط الأراضي السكنية، أو سهلت أنظمة التعمير والقروض، أو حتى الاشتراك في كهرباء المساكن، الذي هو من أولويات السكن والعيش في القرية، بل إن البعض منها- كما أسمع- يحول دون ذلك، ويعرقل الطلبات؛ تحججاً بصكوك الملكية، بينما الأوامر صدرت بتجاوز هذه العقبة منذ سنوات مضت.

- في بلدان كثيرة عربية وغير عربية، تأخذ التنمية القروية أهمية موازية لما يُعطى للمدن، فلها وزارات قائمة بذاتها تحت مسميات عدة منها: (التنمية الحضرية.. والقروية) إلى غير ذلك، وكنا نقرأ فيما سبق، عن برامج ومشاريع لوزارة الشئون البلدية والقروية تحت مسمى: (التنمية الحضرية)، لكنها لم تظهر للعيان، وما زالت قرانا على حالها، تفتقر لأدنى مقومات الحياة والعيش فيها، وترفد المدن القريبة منها بالمهاجرين، الذين يبحثون عن التعليم، والصحة، والماء، والكهرباء، والهاتف، والعمل، والعيش الكريم. وكان الأجدر بوزارة أخذت على عاتقها مهمة تنمية القرى، أن تقود مشروع هذه التنمية الشاملة بكامله مدنياً وحضرياً، حتى لا يبقى هناك فارق بين مواطن يعيش في قرية في جبال السروات، وآخر يعيش في مدينة تربض على بعد مئات الكيلات منه، ويظل ساكن القرية ذاك؛ مأخوذاً بأضواء المدينة، وبما يجري فيها من عجيج وضجيج وحياة طيلة اليوم والليلة.

- تعاقب على رئاسة هذه الوزارة عدد من الوزراء، حتى آل أمر وزارتها إلى الأمير منصور بن متعب، الذي آمل أن لا يضيق بمثل هذا الطرح، ولا بإلحاحنا في السؤال عن مكانة (القروية) إلى جانب (البلدية). بودنا أن نعرف ما هي إستراتيجية وبرامج وخطط وزارته؛ التي يفترض أنها معدة للقرى، وتستهدف خدمتها وتنميتها، تنفيذاً لسياسة الدولة الرامية إلى خدمة المواطن أينما كان.

- إذا عملنا على تنمية القرى وخدمة مواطنيها بما يكفي للقناعة بالبقاء والعيش فيها، فإن هذا هو الحل الأفضل لعدد من مشاكلنا في المدن، التي نجهد ونصرف المليارات لحلها؛ وهي تتوسع وتكبر، وتستعصي علينا يوماً بعد يوم.

H.salmi@al-jazirah.com.sa

alsalmih@ymail.com

مقالات أخرى للكاتب