Thursday 26/12/2013 Issue 15064 الخميس 23 صفر 1435 العدد
26-12-2013

حين يكون المعلم قائدا للإبداع .. الفتاة المكسيكية خليفة ستيف جوبز نموذجاً

وجدت المكسيك نفسها تقود العالم بعد فقده لستيف جوب الأمريكي المقعد الذي استطاع تغيير العالم بعبقريته وذلك من خلال طفلتها ذات الاثني عشر ربيعا المسماة نيولا أو كما نسميها بالعربية نوال!!

الطفلة تعيش في فقر مدقع في قرية صغيرة ضمن مدارس لا تتمتع حتى بالحد الأدنى لما يمكن أن نسميه مدارس مبدعة فلا يوجد بها مياه جارية ولا يوجد بها نظام تصريف ولا تلفون وبالطبع لا علاقة لها بالعالم المتقدم تكنولجيا

من حيث التواصل عبر الإنترنت لا في الإدراة ولا غرفة المصادر وهي مع ذلك تمكنت من تحقيق نتائج خيالية في الرياضيات فهي تعتبر (الوز أو الضجيج) العالمي الآن بالرياضيات في العالم كله (أظن أنني قابلت عشرات بل مئات الطالبات السعوديات أثناء تدريسي في الجامعة ولديهن شغف بالرياضيات غير عادي ولسبب ما لم يتمكن من تحقيق ما حققته هذه الصغيرة وهذا ما يضخم الخسارة التي أشعر بها الآن وأنا أقرأ هذه المقالة :

http://latino.foxnews.com/latino/lifestyle/2013/11/01/next-steve-jobs-is-12-year-old-mexican-girl-wired-magazine-says

فكم من السعوديين والسعوديات كان يمكن أن يحقق التفوق في العالم ولكن لعدم وجودهم في البيئة المناسبة تعليميا انتهوا إلا لا شيء بعكس هذه الطفلة البائسة التي لا تملك إمكانيتنا ولا مدارسنا ولا فللنا ولا خادماتنا ولا سائقينا وهي طفلة ضمن ثمانية في الأسرة ومات والدها العام الماضي بسبب سرطان الحلق وهي مع ذلك تمكنت من تحقيق التميز الرياضي في العالم كله بسبب تفوقها في مادة الرياضيات حتى أن مجلة فوكس نيوز لقبتها بستيف جوبز الثاني ومن يستطيع تحقيق هذه المكانة في حياته كلها وليس كطفلة صغيرة.

الآن السؤال الذي طرحه العالم بعد انتشار أخبار الصغيرة هو كيف تحقق ذلك؟ كيف اكتشف العالم هذه العبقرية الصغيرة في هذه الزاوية المنعزلة من العالم؟ ما هو سر أضاءة العبقرية لدى الصغار أو حتى الكبار وكيف يمكن اكتشافها؟ ولماذا وبقدر ما نضع من ميزانيات للتعليم وبقدر ما نصرف عليه حتى أن المملكة وحتى عام 2013 كانت صرفت أكثر من 27% من ميزانيتها على التعليم لكن ذلك لم يحسن نتائج الطلبة في العلوم والرياضيات أو حتى اللغة العربية والتي يدرسونها ليل نهار فما هو سر هذه الطفلة المكسيكية؟

إنه المعلم ؟ هل تصدقون؟؟ نعم إنه معلمها الذي اجتهد ليدرسها بطرق متنوعة المفاهيم الرياضية ويستثمر موهبتها ويحسنها حتى استطاعت أن تبز العالم؟ يا له من اكتشاف بسيط؟ وكم نردد... المعلم ثم المعلم ثم المعلم.. لكننا أيضا لا ننتبه لطرق إعداده ومن يسيطر عليه فكريا أثناء الإعداد ولماذا انحرفت كليات إعداد المعلمين عندنا في المملكة للأسف عن أهدافها لإعداد المعلمين إلى إعداد المؤدلجين فكريا فخسرنا معظمهم وخسرنا الكثير من تعليمنا؟؟

انتبه العالم كله إلى هذه الطفلة حين استطاعت تحقيق العلامة الأعلى في تاريخ المكسيك بالنسبة للامتحانات الوطنية للرياضيات وهي 921 وهي أعلى درجة حققتها المكسيك في تاريخها حتى الآن!!!

معلمها ،اسمه سيرجيو جيروزو كوريا وعمره فقط 32 عاما وهو الذي عمد إلى تطبيق طرائقه المبتكرة في تدريس ليس الرياضيات فقط بل وحتى اللغة الإسبانية حيث تحسنت لدي الطلبة عموما وليس فقط نوال و بشكل جذري فماذا فعل هذا المدرس الساحر ؟؟؟

سيرجيو استمد الروح الموجهة له من طريقة تسمى في التربية (منيمل انفيسف ايديوكيشن) ومعناها (الحد الأدنى للتدخل التعليمي) وهو ما يسمح للطلبة بأن يتبعوا طرائقهم الذاتية في حل المشكلات الرياضية والعلمية دون فرض من المعلم لهذه الطرائق بل يوجه ويعلم ثم يترك للطلبة الحرية في اختيار الطريقة التي يرون أنها أنسب للحل الرياضي دون تشنج وإحساس بأن المدرس والمدرس فقط وهو من يعلم كل شيء دون غيره!!

سيرجيو اعتمد على إيمانه بالأطفال وبإبداعهم وقدرتهم على اختراع الحلول الذاتية و تجنب المعتقدات الشائعة بين المعلمين حول طبيعة المتعلمين وعدم مبالاتهم والتي تناقلها المعلمون عادة في مكاتبهم.

سيرجيو بتجاهله لهذه المعتقدات لم يصنف أو يظلم الطلبة وهو استطاع أن يصنع المعجزة لكنه لم يفعل ذلك فقط نتيجة لقناعته فقط بل سلحها بالمعرفة النظرية والقراءة حول التربية والتعليم. هذا المعلم كان لديه أسس نظرية وفلسفية واضحة لما يقوم به ولذا تمكن من تطبيقها بفهم عميق لمدلولاتها التطبيقية لأنه حين كان في كليات المعلمين درس بشكل صحيح النظريات الفلسفية للتعلم وتبنى أحدثها فجاءت هذه المعجزة.

اعتمد على فلسفة تربوية قائمة تقوم على التدخل الأدنى في تعلم الطفل وإتاحة الفرصة عبر الإثراء للوصول إلى الحلول الصحيحة رياضية كانت أو علمية أو اجتماعية وذلك عبر فلسفة أستاذ التربية التكنلوجية في جامعة نيوكاسل في بريطانيا سوجيتا ميترا وهكذا حين تصبح المدرسة الميدان لتطبيق الفلسفة يتحقق نجاحها فهل يعرف معلمونا أية فلسفة يتبعون حين يدرسون أبناءنا؟

مقالات أخرى للكاتب