Thursday 26/12/2013 Issue 15064 الخميس 23 صفر 1435 العدد
26-12-2013

آخرُ من يعلم ..

في بحثٍ علميٍ محًكَّمٍ نشره صاحبكم في مجلة “الإدارة العامة” قبل أكثرَ من ربع قرن أورد معلومةً كانت مدهشةً في حينها وهي أن مئةً وثلاث حقائق جديدةً تُكتشفُ كلَّ أربعٍ وعشرين ساعة،وحاول الوصول إلى الرقم المقابل لها هذه الأيام فأيقن أن كلَّ حقلٍ معرفيٍّ قادرٌ على اكتشاف مثلها وهو جانبٌ إيجابيٌ لكنَّ شلالاتِ المعلومات المنوعة لا تخلو من السلبية.

- لم تعد المعرفةُ العاجلةُ غُنمًا،وتتفوق عليها الآجلةُ في نسبية التثبت؛فما كلُّ خبر صادقًا وليست كل معلومةٍ حقيقةً كما أن ناقليها حريصون على المبادرة ببعثها لتحقيق السبق دون توثيقها وتدقيقها ،وهو ما يوقعُ إرباكًا وإنهاكًا وانتهاكًا ويدعو العقلاءَ إلى البعد عن الأولوية في التلقي فضلًا عن أولية التناقل،وبخاصةٍ أن الأكثرية لا يتواصلون بأخبار العلم لاهثين خلف هوامش وفيها ما يسوءُ ويسيء ويكدِّر ويُفتِّر.

- صار هاجسُ التربويين كما الوالدين كيفيةَ تدريب النشء على “ فلترة” المعلومات التي تصل إليهم وإعلاءِ مقاييس المحاكمة المتكئة على النطق والمنطق والثقة والوثائق والحق والحقائق وعدمِ اقتيادهم عبر ظواهر الجهل والتجهيل والفئوية والقبلية والأدلجة والشخصنة.

- ربما كان الدرسُ الأولُ هنا ألا يأبهوا بكونهم” أولَ من يعلم” فلا تميز بذلك، وثانيه أن يتدربوا على مقاييس الاستقراء والاستنتاج، وثالثُه أن يدرسوا السند والمتن ويفحصوا الرواة ويميزوا الثقاة ويربطوا بين مكونات الخبر ومدلولاته ومصادره ويعتادوا قراءة الوجوه الأخرى للصورة ويحاكموا الأصلَ والظلَّ فيتمثلوا الأثر الكريم “كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع”.

- في إحدى المجموعات الحميمة كنا نتهاذر حول أخبار متناقضة بين من بث خبرًا حول صقيع آتٍ تَقدمُه صواعق ورعود تدعو إلى إدخال الأطفال غرفًا مغلقةً خوفًا عليهم من تأثير الأصوات المرعبة وبين من بعث بصورةٍ لغبار كثيفٍ قادمٍ وما بينهما من تضاربٍ نسفهما معًا بالرغم من نسبتهما إلى مصادر في الدفاع المدني والأرصاد الجوية، وكان المخرجُ المنطقي العودة لمواقع الطقس حيث الخارطةُ والرقمُ والتوقيتُ،وهو مثلٌ يسيرٌ معبرٌ عن أمثلةٍ أخرى أكبرَ وأخطر،وفيها ما قد يطال مستقبل الأجيالِ والوطنِ والأمة.

- بتنا وأبناؤنا أسرى الصور السلبية والقاتمة،وسكنت أحاديثَنا” الرسميةَ والعفويةَ” أخبارُ العَتَمة وأوزارُ المعتمين،ولم نعد نحفل بمن ينشر الضوءَ بل بمن يُضيف إلى الظلام ليبدو في نظرنا المخلِص والمخلِّص،ولو قرأنا معضلات الأمراض النفسية والعصبية والجسدية المتكاثرة هذه الأيام لكان جزءٌ منها معزوًّا إلى إدمان متابعةِ أحوال الأجواء الغائمة دون تحليل أمدائها والاحتراسِ من أنوائها.

- تعطيلُ الحاسة الإعلاميةِ المعنيةِ بالبحث عن الجديد وملاحقةِ تبدلاته يُعادلُ الصحةَ النفسيةَ والاسترخاءَ الذهنيَّ،واختار صاحبكم لوسائط تواصله” الشخصية” شعار:” كنْ آخرَ من يعلم”؛ فليس في “ الأولية” ميزةٌ في زمنٍ تحمل أخبارُه مزيدَ دموعٍ ودماءٍ وغضبٍ وتغاضب وكذبٍ وتكاذبٍ وعبثٍ وخرافات.

- الطوفانُ انهيار.

ibrturkia@gmail.com

t :@abohtoon

مقالات أخرى للكاتب