Friday 27/12/2013 Issue 15065 الجمعة 24 صفر 1435 العدد
27-12-2013

أول امرأة تحكم الصين

تختلف حضارات الشعوب وتتباين طبقاً للتراكم الثقافي المتوارث والذي قد يراه البعض مناسباً بينما يراه البعض الآخر غير مناسب، ومهما يكن فإن اختلاف الحضارات وتباينها لا يعني خلافاً بين تلك الحضارات، وإنما قد يكون رافداً من روافد الفكر الإنساني والذي من خلاله قد يميز المرء بين الغث والسمين فيميل إلى ما يتوافق مع العقل والمنطق، وكذا ما يجذب الراحة والسعادة من خلال الإيمان. والتباين إنما يكون مفيداً بقدر ما يكون فيه من آثار قد لا تكون مرغوبة. وقد قال الشاعر فيما سبق:

ضدان لما استجمعا حسنا

والضد يظهر حسنه الضد

وللصين حضارة خاصة لعلنا نضع أمام القارئ شيئاً مما سطرته كتبهم وأملته عقولهم ومنها هذه القصة الطريفة لإحدى إمبراطورات الصين التي كان لها شأن كبير.

ولدت الإمبراطورة “ووتسه تيان” في عام 624 ميلادية، في عصر أسرة “ تانغ” التي حكمت الصين نحو 300 عام (618-906)، وهذا يعاصر ظهور نور الإسلام في مكة المكرمة، كان والدها رجلاً عادياً من عامة الشعب، يعمل لدى الإمبراطور “تاي سونغ”، ووالدتها من أسرة ملكية صينية يقال لها “تزو” حكمت جزءاً من الصين في الفترة من 518 حتى 618 ميلادية، أي أنها من الأسرة التي سبقت أسرة “تانغ” في السلطة، ولهذا فإن والدتها قد عاشت عيشة ملكية مرفهة، ومنذ صغرها أتيح لها دراسة التاريخ الصيني، والعلوم الأخرى، وعندما بلغت من العمر 14 سنة، أصبحت إحدى محظيات الإمبراطور “تاي تسونغ”، وقد أعطيت لقب “القادرة”، وبهذا احتلت المرتبة الخامسة في ترتيب المحظيات لدى الإمبراطور حسب ترتيب الألقاب المعمول بها في ذلك الوقت، وبسبب نسبها الملكي، وتعليمها الجيد، وكفاءتها الذاتية استطاعت أن تصل إلى مرتبة متقدمة في سلم المحظيات، حيث تمت ترقيتها إلى لقب “فاتنة” متقدمة إلى المرتبة الأولى، وأصبحت تعمل في مكتب الإمبراطور، مما جعلها تشارك في القرارات التي يتخذها الإمبراطور. وفي عام 649 ميلادية، مات الإمبراطور “تاي سونغ”، وكان عمرها آنذاك 26 سنة، وحل محله ابنه الإمبراطور “قاو تسونغ، وكان من عادة البلاط الإمبراطوري الصيني عند وفاة الإمبراطور أن يدفن معه بعض خدمه ومحظياته، حتى يقمن بخدمته بعد بعثه، حسب اعتقادهم، أما البعض الآخر، فيتم إرسالهن إلى الأديرة، والعمل في الخدمة العامة، وكان من نصيب المحظية آنذاك، “ووتسه تيان” أن أرسلت إلى أحد الأديرة للعمل به، وحاولت جاهدة أن تصل إلى قلب القائم على المعبد لتكون قريبة منه، وكان العمل في المعبد يستوجب حلق شعر الرأس، فكانت تلتزم بذلك وقام الإمبراطور الجديد بزيارة الدير الذي تخدم به وذلك بعد ثلاث سنوات من توليه الحكم، وقد يكون ذلك بتدبير منها بحكم صلاتها السابقة داخل البلاط الإمبراطوري، وبعد الزيارة، وبحكم علاقتها السابقة مع والد الإمبراطور الجديد، وإعجاب الولد بمحظية أبيه في ذلك الوقت، فقد أمر بعودتها إلى القصر، وضمها إلى محظياته، بعد أن كانت إحدى محظيات أبيه المتوفى، وما لبثت أن ترقت إلى المرتبة الثانية في سلم المحظيات في عهد هذا الإمبراطور الابن، وأخذت لقب “المحظية النبيلة”، وبفضل ذكائها، ومعرفتها، وحسن تدبيرها، فقد ترقت إلى الدرجة الأولى من المرتبة الثانية في سلم المحظيات، ثم ما لبثت أن أنجت ولدين، ثم بنتاً أخرى، وبهذا أصبح لها مكانة خاصة، وأخذت تنافس زوجة الإمبراطور الحقيقية الإمبراطورة “وانغ”.

وعندما اشتدت المنافسة بينهما، قررت “ووتسه تيان” أن تلجأ إلى الحيلة للتخلص من الإمبراطورة، فما كان منها إلا أن أقدمت على قتل ابنتها المولودة حديثاً، ثم أخذت تدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور أن الإمبراطورة “وانغ” قد قتلت ابنتها غيرة منها، فما كان من الإمبراطور إلا أن أبعد الإمبراطورة “تانغ” ولعله كان يبحث عن حجة ليتخلص منها، ويقرب إليه محظيته، ومحظية أبيه من قبله، وأم أولاده المحظية، “ووتسه تيان”. وقد نكمل في المقال القادم شيئاً من سيرة حياتها الحافلة بالكثير من الأحداث.

مقالات أخرى للكاتب