Saturday 28/12/2013 Issue 15066 السبت 25 صفر 1435 العدد
28-12-2013

عن الأزمة الاقتصادية العالمية

منذ سنة 2008 والعالم يعيش أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة. ففي أمريكا كما في أوروبا، هناك ركود شديد مما يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية كبيرة بل وأيضاً إلى اختلالات اجتماعية وسياسية هامة.

كيف وصلنا إلى هنا؟ كما تجيب الأستاذة المبرزة في الاقتصاد أسماء علوي تايب في الدليل المغربي للاستراتيجية والعلاقات الدولية لسنة 2013 كان العالم يبدو بخير، وكانت الحرية السياسية والمبادرة الفردية تبدو مزدهرة حتى في المناطق النائية، وبدأ الفقر يتقلص في آسيا وفي أمريكا اللاتينية، أما النمو الاقتصادي في العالم، فقد كان الأسرع في التاريخ. كل شيء كان ينبئ بأن كل شيء سيستمر على حاله لعقود بفضل النمو الديمغراغي الكبير، وبفضل الادخار الوفير والتقدم التقني الهائل الذي يسمح بالتحول نحو تنمية مستدامة. وها هو العالم، ودون سابق إنذار، يدخل في انتكاسة كونية ربما الأكثر سوءا منذ ثمانين عاما.

فلقد مرت الإنسانية دائما بأزمات سواء كانت دينية أو سياسية أو اقتصادية، بل إنه ومنذ أن تمكنت الرأسمالية من السلطة، بدت الأزمة حالة طبيعية. غير أن العالم عاش صدمة قوية واضطرابا كبيرا وتغيرات مهمة أدت إلى تغير الميكانيزمات الاقتصادية والمالية الدولية. إن الأزمة المالية الحالية، والتي أصبحت أزمة اقتصادية، ليست الأولى في التاريخ وإنما هي الأولى التي يمكن اعتبارها كونية. إنها الأعمق، الأعنف، الأكبر والأقوى من سابقاتها. ويمكن تفسير هذه الأزمة الأولى في زمن العولمة بعجز المجتمع الأمريكي عن تقديم أجور لائقة للطبقات المتوسطة، مما دفع هذه الأخيرة إلى الاقتراض لتمويل شراء منازلها وبالتالي إلى الزيادة في قيمة الأصول وفي الإنتاج، ونمو الشركات المالية وتزايد “المطلعين” الذين ينشطون هذه الشركات دون أية مراقبة من الحكومات أو المؤسسات الدولية، وهكذا حدث الغنى دون أدنى خطر بفضل التوريق وبفضل شبه التأمين مما أدى إلى تزايد لا يطاق في الديون ولينتهي بحالة من الذعر وفقدان الثقة.

لقد شهدنا خلال عقدين على الأقل، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية تطويرا للطلب تغذيه مديونية الإجراء، هذه المديونية مرهونة بدورها بقيمة السلع المشتراة بهذا الدين. ولتحمل هذه الديون وبالتالي تشجيع الاستهلاك ودعم الاقتصاد الأمريكي، عمل البنك المركزي الأمريكي على خفض نسبة الفائدة منذ سنة 2011، مقدما بذلك مصدرا جديدا للإثراء لمن يتوفرون على مهارات الاستثمار بشكل أفضل عن طريق الاقتراض. وهكذا تهافتت الأسر الأمريكية على القرض الشبه المجاني (1 في المائة نسبة الفائدة)، كما استفاد قطاع العقار بشكل كبير من هذه الهبة المالية. وطيلة هذه الفترة من انخفاض نسبة الفائدة (2001-2004)، حصل نمو نقدي مهم في الولايات المتحدة الأمريكية. غير أن هذا النمو النقدي لم تقابله زيادة في أسعار الاستهلاك، بل استعمل توسيع الدين والكتلة النقدية في شراء الأصول المالية والسكن (بما في ذلك الرهن العقاري)، مما أدى إلى فقاعة عقارية تحولت بعد ذلك إلى فقاعة مالية.

وقد تفاقمت هذه الوضعية بسبب ظاهرتين اثنتين. أولا بسبب الضغوطات القوية جدا والتي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية على مؤسسات الائتمان حتى تقبل هذه الأخيرة منح قروض للأسر التي لا تقدم ضمانات كافية تحت طائلة الاتهام بالتمييز. وقد أصدر البنك الفيدرالي الأمريكي دليلاً للأبناك يرفض فيه استعمال معايير “عفا عنها الزمن” بما في ذلك معيار مبلغ السداد - الإيرادات أو تاريخ القروض السابقة للطالب. وقد قاضت وزارة العدل، تحت طائلة التمييز، مؤسسات القروض التي رفضت منح قروض، كما لو أن دور هذه المؤسسات لا يكمن في التمييز بين من يمكن منحهم القروض وأولئك من يرفض طلبهم. لقد حان الوقت، في ظل اقتراح البنك الفيدرالي، أن يقدم المقترضون ضمانات كافية إذا التزموا بالانخراط في برامج “المشورة في الائتمان”، مما زاد في حدة مشكل الرهن العقاري.

وهكذا استفاد أكثر من مليون أمريكي من هذه القروض، وبسرعة واجهت البنوك المتخصصة في منح القرض المعرض للخطر صعوبة في السيولة. ولمواجهة هذه المشكلة، باعت بعض البنوك قروضها لبنوك أخرى. وهكذا تحولت القروض العقارية الممنوحة إلى أوراق مالية. وبما أن معظم هذه القروض كانت بنسب فائدة متغيرة (يمكن أن تنتقل من 1 إلى 8 في المائة)، لم يستطع المقترضون الوفاء بالتزاماتهم عندما ارتفعت نسبة الفائدة، وبدت الأصول المورقة في خطر، وبهذا تم تضليل الأشخاص بعدم إخبارهم بسير الأسواق المالية والمخاطر التي تنطوي عليها.

في بداية شتاء 2006، فالعديد من الأسر الأمريكية الأكثر فقراً، والتي عرضت عليها القروض العقارية الرهنية، وجدت نفسها غير قادرة على سداد ديونها. وبدأت البنوك في مصادرة الممتلكات، كما بدأ الملاكون المثقلون بالديون في بيع ممتلكاتهم قبل أن تصادرها البنوك، مما أدى إلى عدم التوازن بين العرض والطلب في سوق العقار وانخفضت الأسعار. وهكذا، وجدت البنوك ومضاربوها “الانتحاريون” أنفسهم بمساكن مصادرة وغير قابلة للبيع، وباستثمارات لا قيمة لها إضافة إلى مشاكل السيولة. وهكذا، تحولت المحافظ المالية المضاربة التي كانت تجلب أرباحا هامة للأبناك الأمريكية والأوروبية، إلى كابوس مالي. ففي الواقع، وابتداء من منتصف 2007، بدأت كل الأصول المورقة تثير الشكوك واكتشفت البنوك الأمريكية ثم السويسرية والإنجليزية والألمانية والفرنسية أن لها شيئا من هذا في كشوفاتها أي أنها محشوة بقروض عقارية غير قابلة للسداد مقسمة على الزوايا الأربع للكرة الأرضية في المنتجات المالية المتطورة والكل يريد التخلص من هذه الديون. والعديد من الدول بدأت ترى فرار رؤوس أموالها، وصارت البنوك في كل الدول المتقدمة قلقة مما يمكن أن يوجد من “سموم” في حساباتها وسارعت إلى قطع القروض على الكثير من المقاولات السليمة.

في بداية سبتمبر 2008، تحولت أزمة الرهون العقارية إلى أزمة بنكية، وانهار البنك الأمريكي الشهير Lehman Brothers. ويرجع سبب هذا الفشل بالطبع إلى الاستهلاك القوي للأصول الموجودة في محافظ الرهون العقارية. وبلغت الخسارة إلى ما يقارب 4 مليار دولار. فقد كان بنك ليهمان براذرز، ولمدة 150 سنة، بنك الاستثمار العالمي الذي يقترح خدمات مالية متنوعة، وحقق 4 مليارات دولار سنة 2006. فكانت النتيجة حصول ذعر شامل أصاب القطاع البنكي، حيث توقفت الأبناك عن منح القروض، وصار الاقتصاد على وشك الاختناق. وبانهيار هذا البنك العملاق وبتأثير الدومينو، انخفضت أعمال البنوك الأخرى مؤدية إلى انخفاض حاد في المراكز المالية الدولية الرئيسية.

كان النظام المالي الأمريكي على حافة الانهيار في أكتوبر 2008 بسبب انعدام السيولة. وقد تم إنقاذ البنوك وشركات التأمين الأمريكية عن طريق التجنيس والوعد بالمال العمومي غير الموجود، وأصبح الدين الخاص عموميا. ففي الواقع، وبدلا من وضع قطاع مالي فاشل بأكمله تحت الرقابة العمومية، قبلت الحكومات تعويمه كما هو، وتداينت الدول من أجل إنقاذ البنوك وإنعاش الاقتصاد. فما بين سنة 2008 ومنتصف 2009، تحولت أزمة المالية الخاصة إلى تضخم في الدين العمومي.

عبرت الأزمة، بشكل بطيء لكن بشيء أكيد، من الولايات المتحدة الأمريكية المحيط الأطلسي لتصل إلى البنوك الأوروبية الكبرى. فكل البنوك الكبرى التي راهنت على محافظ الديون ذات المخاطر، سجلت خسارات ومشاكل في السيولة وعدم القدرة على السداد.. وللحديث بقية.

مقالات أخرى للكاتب