Saturday 28/12/2013 Issue 15066 السبت 25 صفر 1435 العدد

معالي وزير الصحة

فضلاً... لا يلزمك ولا تلزمنا إعادة اختراع العجلة

من حقائق اليوم أن الدفاع عن الطب البديل وإيراد مراجعه وبراهينه والجدل حول مسمياته وتطبيقاته وتعديد انواعه ومدى حضوره في العالم وتأثيره وتسارع تطبيقه في دول العالم بات جزءا من الماضي. ومن حقائق الواقع أن مجتمع المملكة العربية السعودية حرم بقسوة من معطيات الطب البديل وظل عقودا تحت وطأة تشويه منظمة استغلت مدخل المدنية والعلمية والحماية الصحية للمجتمع وتجازف اليوم بالوعي بالمصطلح ومفرداته. في مجتمع حرم بهذه القسوة يجد المتخصص والمهتم نفسه مثل من يدفع قطارا إلى أعلى التل، إلى تلك اللحظة التي يأتي موقف مؤذ يضطره لرفع الصوت دفاعا عما تبقى!

الطب البديل تم إقراره ويمارس اكلينيكيا في دول متقدمة وجل فلسفته معترف بها من هيئات عالمية وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية. له تنظيماته ومراكزه ومنظماته وله أكاديميات مختصة خرجت مؤهلين عالميين بدرجات رموز معروفة في فروعه واختصاصاته وتضم مكتبات العالم فيه مجلدات علمية ومجلات وبحوث تنشرها مجلات طبية عريقة محكمة ورصينة. والطب البديل يدرس اكاديميا كفرع وجزء من تخصص آخر أوكأساس يماثل كليات الطب التقليدي. وهو مدرسة لطرق ووسائل تهدف إلى الحد من المرض أو معالجة المريض بوسائل تستبعد قدر الإمكان التدخل الدوائي والجراحي. وتسميته في بداياته القديمة بالطب التكاملي هي تجاوب هادف لتخفيف التحسس من مفردة بديل عن آخر، وتسميته بالاندماجي هي تشريع واع منضبط لتشجيع الأطباء لدراسته ودمجه في ممارستهم الاكلينيكية. وتوجه العالم المتقدم للطب البديل لم يجهل التجاوزات فيه ولا سوء استخدامه واستغلاله ولم يتجاهل ان كثيرا من تطبيقاته بانتظار التحري العلمي والمتابعة الاكلينيكية. ولكن أجهزة الصحة الحية التي تنشد صالح دولها ومجتمعاتها لم تستغل السلبيات والنواقص ولم تماحك في الجدوى حين فطنت إلى ان الطب البديل - رغم ذلك - يثبت يوما بعد يوم فاعلية حاسمة في مؤشرات الصحة واقتصادياتها. هذه الثوابت في اهداف الطب البديل هي رؤية استثمارية اقتصادية اجتماعية صحية عالمية تنشدها فقط وزارات الصحة الجديرة وسعت وتسعى لتضمنها بنود في استراتيجيات دولها باعتبارها روافد لدخلها القومي ونفعا مطلوبا لشعوبها ومجتمعاتها.

قبل عقدين من الزمن تأجج حراك في وزارة الصحة حول الطب البديل والتخصصات الصحية غير الطبية مثل التغذية والصحة النفسية والقابلات والخدمة الاجتماعية الصحية وغيرها. وقام مخلصون كل من جانبه بخطوات ملموسة لمواكبة العالم المتحضر في معارفه وتطبيقاته. ولكن كانت وزارة الصحة كما هي لا تزال «وزارة الأطباء والمعالجة الطبية» لدرجة ان اقترحت وقتها استحداث وزارة للصحة وان تظل الوزارة الحالية معنية بالطب والمعالجة الطبية لأهمية الجانبين. ولأن للطب البديل نواقص كان سد الباب عنه نهائيا أسهل عند الوزارة من مشاركة العالم غمار التأصيل والتحدي والبحث وتنظيم الاستثمار الايجابي من فروع الطب البديل والتخصصات الصحية غير الطبية.

ما الذي أفضى إليه تصدي وزارة الصحة بالمملكة للطب البديل؟ تم القضاء التام على استقلالية التخصصات الصحية وتم إلحاقها بخدمات طبية مساعدة ومساندة هامشية. فالتغذية تقزمت إلى تغذية المرضى تابعة لإدارة المستشفيات والصحة النفسيبة صارت الطب النفسي والأخصائي الاجتماعي بات تخصصا زائدا لا معنى له بالوزارة ولا يعنيها والمشاركة الأسرية تم نبذها بالتخلف وصارت كل الوزارة فكرا وتخطيطا وتشريعا وابتعاثا وتمويلا جهة طبية جراحية دوائية صرفة. أما الطب البديل فقد تم وأده باحترافية غريبة، إذ تم تعيين مسؤول عن «الطب البديل بالوزارة» طبيب محترم لا علاقة له بالاختصاص اعلن بوضوح منذ البداية عن قناعاته بأن الطب البديل هامشي وتخلف. ثم امعنت الوزارة بخطوة شكلية استباقية باستحداث مركز للطب البديل يفرض ذات الفهم والتطبيق ويلجم كل محاولة لإخراج الوطن من المأزق الفلسفي العملي للصحة بمنظورها المتجدد. كما ان نظرة خاطفة إلى معدلات المرض وتكاليف العلاج وسوء استخدام المهنة كفيل بتقديم الجواب على ما افضى له تصدي الوزارة للطب البديل. ونظرة أخرى إلى اعداد المراجعات الطبية وتباعد المواعيد والانهاك الملحوظ للخدمات الطبية ونقص المستشفيات وعجز الأسرة ادلة مضاعفة.

الحقيقة التي ينبغي الوقوف عندها هي أن تعطيل الطب البديل والتخصصات الصحية غير الطبية في المملكة كان ولا يزال خسارة قومية اجتماعية واضحة. والمتتبع والباحث يدرك دون جهد ان الوزارة لو كانت اجتهدت ونظمت تطبيق مفهوم الرعاية الصحية ومدخل الطب البديل دون تحيز لوفرة المليارات على موازنة الدولة وعلى المواطن الذي انهكته تكلفة الخدمات الطبية والدوائية وسلبياتها الناجمة عن التوجه القسري للعلاج. هذا التعطيل تمثل في عدم تنظيم البدائل وعدم الاكتراث لابتعاث متخصصين وعدم النظر في ترخيص مزاولين ووأد كل محاولة لتصحيح ذلك، كما جاء التعطيل في خطوات فوضوية وترسيخ فهم غريب لعل اكثرها هزلا حصر ممارسة الطب البديل على الاطباء التقليديين دون دراسة أو تدريب وانما حسب القناعة والرغبة. هذا التشويه الجاهل أفضى إلى حرمان البلد من الاختصاص وإلى رواج طرح وفهم استهلاكي علاجي لا وقائي محض وخلق سوق مترامية مدرة للميكنة الجراحية والصيدلانية والتأمينية غطت سلبياتها ونواقصها على عطاءات الخدمات الطبية الرائعة لدينا وعلى إسنادها وجهود المخلصين من اطبائها ومهنييها وطواقم تخطيطها وإدارتها وتنفيذها في الوزارة ومديرياتها ومرافقها التي تستحق كتبا في الاشادة بها. وتواصل الوزارة حاليا وجهتها الغريبة فلا مبتعثين ولا مؤهلين ولا مزاولين للطب البديل والتخصصات الصحية غير الطبية. وانتهينا إلى حالة مزرية توارى فيها المختصون والمهتمون ويئس فيها الراغبون وحرم المتطلعون لدراستها والابداع فيها وصارت خدمات الطب البديل حقل اجتهاد فوضوي مشاع وشعوذة منبوذة وباتت التخصصات الصحية غير الطبية هزيلة ينقصها التنظيم والبحث والإبداع. ومن المؤسف ان تلك الحالة اللاحضارية التي اوجدها وشجعها وافشاها تقاعس الوزارة المعنية، صارت عذرا تستدل فيه قيادة الوزارة على ان الطب البديل غير حضاري وغير مناسب. بل ان الأكثر ايلاما انها انتهزت تلك الحالة التي غيبت فيها ممارسة التخصص لتثبت للمجتمع وعليه بانها الأدرى والأحرص على حمايته. وبدلا من مواكبة العالم في بحثه الجاد واستكمال النواقص وتوثيق العائد والمردود بعمل منظم مسؤول، ضربت على هذا الوتر بإمعان وترصد لا يجدي. هذه بأمانة علمية ووطنية صادقة مأساة حقيقية لم يكن لها مبرر راجح وتجعل المختص يخفض رأسه في المحافل الدولية. القضية ليست في الطب البديل والطب التقليدي وانما في ان النظام الصحي قديم ساكن غير مقتدرعلى التجديد والمواكبة خسر منه المجتمع اقتصاديا وعلميا وتنمويا. والقضية ليست في استمراء الوزارة مماطلة المجتمع وتعطيل تشريع وتنظيم الطب البديل وإنما في ان قيادة الوزارة لم تكن بالشجاعة الكافية لاحتوء الطب البديل أو الاعتذار عن مسؤوليته واختارت عدم الوضوح مع القيادة السياسية ومع المجتمع المحلي، بينما تسابق إلى المجارات الشكلية للعالم بمؤتمراتها المنغلقة أصلاً على قناعة واحدة وتوجه اوحد وإصرار سلطوي غريب على ترسيخ القائم وتمييعه. والقضية ليست الجدل على تسمية الطب البديل بالتكاملي أو الاندماجي فتلك شؤون من المضحك علينا تكرارها بعد عقود اشبعها العالم وشبع منها واستقر على مفرداتها. القضية هي الجهالة التي لا تعيب غير الدارس والمتخصص، فالطب البديل في المفهوم العالمي واضح ويعني طرق ووسائل (تتكامل) مع دور الطب وليس خدمات (تكميلية) يؤديها الطبيب إذا رغب، وكل منهما اختصاص ولكل منهما مؤهله.

لا شك ان معالي وزير الصحة جراح متميز وإانسان فاضل... قرأت افاضته حول الطب البديل وهو العالم بان كونه وزيرا للصحة حري بالتزام الدقة وتقدير وقع خطابه على المختصين والجمهور ونفوذه في توجيه السياسة الصحية الوطنية. اتفهم الخطأ الجوهري المعلوماتي في تصريحه باستبدال الطب البديل بالتكميلي لأنه من غير مختص ومن وزارة قبلت طواعية ان تكون غير مختصة. فمن بديهيات العلم والتطبيق العالمي ان الطب البديل تكاملي لا تكميلي، أي تخصص مستقل يلتقي مع الطب التقليدي على هدف خدمة الإنسان وقائيا وعلاجيا وليس خدمات ضمنية تضاف لعمل الطبيب لتكمل مهمته. أتفهم ذلك لأن من يتلقف معلومة غير من يهتم بالتقصي عنها ولكني لا افهم جدوى حديثه عن قضية استقر عليها العالم كما استقر على اسم الكهرباء لأنه حديث مرتجع يقدم صورة سلبية مؤذية عن المعرفية الوطنية في الموضوع. كما لا أقبل التسطيح باستغلال مصطلح دولي في غير مراده، وليس الجدل بالتأكيد ببساطة على الفرق اللفظي بين تكميلي وتكاملي وإنما على افتراق جاد على الغاية مسبقة الإعداد والتمويه. فالمدرك والمتتبع لا يفوته ان معاليه صور خارجيا كالعادة ان المملكة تحتضن الطب البديل بينما - وهو المشرع - أرسى نفس الفكر الخطأ والتوجه الخطيئة ومرره على المتلقي وكأن الحديث ليس عن علم ولا تخصص ولا وجود لمتابع أو متخصص وانما عن لغز وقضية مشاعة تقبل الاجتهاد من كل منبر بيده السلطة.

تمنيت قبل سنوات على معاليه لو انه بادر بذهنية منفتحة مخلصة إلى احتواء الطب البديل والتخصصات الصحية غير الطبية واعتمد لها نواة وهيئة محلية مع خبراء عالميين (مختصين) لتنظيمها وتشريعها، وانه اعتمد دفع عجلة التدريب والابتعاث بالطب البديل وغيره إلى أفضل جامعاته وكلياته ومراكزه في العالم وشجع الجامعات المحلية لتدريسه، وأنه قام بخطوات تدريجية مرحلية في تصريح ممارسته مع غيره من الاختصاصات الصحية فهذا كان المأمول، وهذا هو بحق التميز والإضافة المفيدة. هذه الحلول كانت ولا تزال مطروحة لنظر معاليه ولم يفت أوانها. ولكني اليوم اكتفيت بأن تمنيت لو كان معاليه أكثر وضوحا وصدقا مع المجتمع فيما إذا كانت الوزارة بقيادته لديها أي نية لمراجعة موقفها الخطأ وتصحيحه والتعامل المهني الجاد مع تخصص الطب البديل والتخصصات الصحية غير الطبية المستقلة. وتمنيت اليوم بصدق لو ان معاليه قال لا أدري فهي لا تعيبه كما لا يعيبني ولا غيري قول لا أعرف في جراحة فصل التوائم المعقدة. ولوطني ولكم ومعاليه فائق احترامي وتقديري.

أ.د. أحمد بن عبد الرحمن الشوشان - drshoshan@hotmail.com