Sunday 29/12/2013 Issue 15067 الأحد 26 صفر 1435 العدد
29-12-2013

أمير (وَفِيّ) .. في مواجهة (منهج خَفِيّ)..؟!!

هذا هو الأمير الوزير (خالد الفيصل بن عبدالعزيز)؛ الذي بدأ حياته العملية في وطنه في رعاية الشباب قبل أربعة عقود، ثم أميراً لمنطقة عسير لمدة سبعة وثلاثين عاماً، ثم أميراً لمنطقة مكة المكرمة مدة سبعة أعوام،

وطيلة حياته العملية الطويلة الحافلة بالعطاء والوفاء والنجاح، ظل وفياً للكلمة الناقدة، والكلمة الشاعرة، والصورة المعبرة، والفكرة البانية.

* من يظن أن الأمير خالد الفيصل؛ وزير التربية والتعليم الجديد، يمسك بيده عصا موسى؛ وأنه سوف يصلح ما أفسده الدهر في التعليم العام في ظرف عام أو عامين أو حتى عشرة أعوام؛ فهو واهم وخاطئ. التعليم في المملكة يحتاج إلى أمير وزير مثل خالد الفيصل، وزير عازم حازم صارم، هذا صحيح، لكن ما فسد في ثلث قرن تقريباً، يحتاج إلى سنوات طوال لكي يصلح ويستقيم عوده.

نخطئ كذلك إذا نحن وضعنا أوزار التردي في التعليم على أكتاف الوزراء السابقين. صحيح أن كل وزير تولى ملف التعليم هو مسئول عن كثير من جوانب التردي التي نشهدها اليوم، لكن المسئولية العظمى تقع على كواهلنا نحن كدولة ومجتمع، إذ لم ندعم بشكل كاف وفعال كثيراً من المبادرات الإصلاحية التي نادى بها وزراء في التعليم العام؛ كما فعل الدكتور محمد الرشيد -رحمه الله- على سبيل المثال. ليس هذا فقط.. بل قوبلت هذه المبادرات بالرفض والتنكيل، وتصدى لذلك فيالق من المعارضين والمناكفين، وسعى أوصياء على التعليم من خارج عباءته لوأدها، وعملوا بكل قوة لذلك؛ مستخدمين أدوات لهم من داخل الوزارة، للتهويش والتشويش على الوزير وكادره الذي كان يعمل معه لإصلاح التعليم، حتى أفشلوا الخطط، وأحبطوا العاملين عليها.

* من المؤكد أن ملف وزارة التربية والتعليم هو من الملفات الشائكة منذ سنوات عدة مضت، وأن إصلاحه ووضعه على المسار السليم؛ هو في قمة أولويات خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله، ولهذا رصدت له الدولة ميزانيات ضخمة، وجاءت بوزير أمير لا يُحبط ولا يتوانى في اتخاذ قرارات بناءة تحقق أهداف الدولة في الوصول إلى مستوى تعليمي يضاهي مثلاءه في الدول المتقدمة.

* من أبرز التحديات التي سوف يواجهها الأمير خالد الفيصل في حقل التعليم، قضية المناهج والمقررات الدراسية، فهذه تعرضت لكثير من العبث في سنوات خلت، حتى تحول نهج التعليم في المملكة إلى سطحي ظاهر في الكتب المطبوعة، وآخر خفي لا يعرفه إلا شيوخه وأدواته من الحواريين والأتباع، حيث الأدلجة والتحزّب، وغرس الأفكار التكفيرية المتطرفة، وتجنيد الشباب وتنفيرهم إلى بؤر مشتعلة في بلدان كثيرة، وتكريه الكل في الدولة والمجتمع.. (دولة كافرة ومجتمع كافر)..! كما هو في كتب سيد قطب ورموز الإخوان، التي كانوا يحتفون بها ويروجونها بين الشباب، وهذا هو الذي كشف عنه خالد الفيصل في خطابه التنويري بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001م، في أكثر من مناسبة وأكثر من مقال منشور باسمه في الفترة التي تلت جريمة التفجير في نيويورك، وما لحق بها من حوادث إرهابية استهدفت أمن واستقرار المملكة ووحدتها الوطنية.

* إذا وقع حادث إرهابي تبنته القاعدة والجماعات الإخوانية المتأسلمة هنا أو هناك في الداخل أو الخارج، وكان من بين الإرهابيين المفجرين سعوديون، عندها ابحث عن تعليم هؤلاء. ماذا درسوا..؟ أين درسوا..؟ كيف درسوا..؟ من درّسهم..؟

* ماذا.. أين.. كيف.. مَنْ..؟ هذا ما أظن أنه سوف يواجه الأمير الوزير خالد الفيصل اليوم في عمله المهم؛ الذي يمس بناء الإنسان في عموم التراب الوطني. مناهج التعليم ومقرراته الدراسية، والبيئة التعليمية للتلاميذ ومعلميهم، وطريقة التعليم بين المعلم المؤهل وما يتاح له من وسائل توصيل، والمعلم ذاته الذي ينبغي أن يعد علمياً وتربوياً ووطنياً بشكل جيد ومختلف، وأن يعطى حقه مادياً ومعنوياً، وأن تعاد هيبته، وترتفع قيمته في المجتمع، وهذا كله لن يتأتى؛ إلا بقرارات شجاعة من أمير ووزير نعرف أصالته وشجاعته، ونعرف وفاءه لوطنه ومجتمعه، ونعرف أكثر؛ عزمه وحزمه وصرامته، وأنه صاحب منهج شفاف في إدارته وعلاقاته بالعاملين معه.

* كان الدكتور (محمد الرشيد) وزير التربية والتعليم الأسبق -رحمه الله- يردد: (وراء كل أمة عظيمة؛ تربية عظيمة). والأمير الوزير (خالد الفيصل) يقول لنا دائماً في لقاءاتنا معه: (تنمية المكان؛ مسبوقة ببناء الإنسان).

مات الرشيد؛ قبل أن يرى في حياته تطبيقاً للتربية العظيمة التي كان يحلم بها، ويعمل من أجلها، ونحن نتطلع إلى أن نرى الإنسان المبني على قيم ومبادئ صحيحة، دينية وأخلاقية ووطنية ، وهذا لن يتحقق إلا من خلال التربية العظيمة، في أمة عظيمة، عزها الله بدين الإسلام، الذي يحض على العلم والعمل، ويدعو إلى السلام والتسامح، وينهى عن الكذب، والنفاق، والمخادعة، والعدوان.

H.salmi@al-jazirah.com.sa

alsalmih@ymail.com

مقالات أخرى للكاتب