Sunday 29/12/2013 Issue 15067 الأحد 26 صفر 1435 العدد
29-12-2013

مرحباً بـ(دولة) اليمن الاتحادية الجديدة

رغم مظاهر العنف والتخريب والدمار.. التي أخذت تتصاعد وتيرتها، بصورة جنونية دموية غير مسبوقة في وسط اليمن وشماله وشرقه.. خلال الشهور الثلاثة الماضية، لتؤازر ما يجري من عراقيل ومعوقات (جنوبية).. في (لجنة الستة عشر) المصغرة، التي جرى تشكيلها مناصفة من الشماليين والجنوبيين (8 + 8) من لجنة القضية الجنوبية (الأربعون)..

..لوضع (الحلول والضمانات) للدولة الاتحادية الفيدرالية الجديدة المرتقبة، والتي أصر الجنوبيون فيها على أن تتكون من إقليمين: (شمالي وجنوبي).. بينما رأت الأكثرية أن تتكون من ثلاثة أقاليم شمالية وإقليمين جنوبيين.

.. رغم كل هذا الذي كان يجري بهدف إفشال مؤتمر الحوار في النهاية، وقطع الطريق على بلوغ مخرجاته التي ينتظرها اليمنيون جميعاً بفارغ الصبر، لتقودهم إلى يمن ديمقراطي موحد جديد.. يتساوى في مواطنته الجميع، ويتقاسم أبناؤه خيراته بالتساوي.. حتى توقف المؤتمر أو كاد في شهره (التاسع)!! في لجنتي (القضية الجنوبية) و(ماهية الدولة) عند عقبة أعداد الأقاليم التي ستتكون منها الدولة الفيدرالية الاتحادية الجديدة المرتقبة.. فقد استطاع الرئيس منصور عبد ربه بـ(ثقله) الوطني، وبالدعم الخليجي والعربي والأممي الذي يحظى به.. أن يقوم بإجراء تلك (القيصرية) السياسية التي كان يرجو القيام بها كثير من الكتاب والمحللين وأصحاب الرأي، ولكن ليس بنقل صلاحيات لجنة (ماهية الدولة) أو لجنة (الحلول والضمانات) إلى هيئة المؤتمر العام أو جمعيته.. كما ذهب رأي بعضهم، ولكن بإعداد وثيقة (حلول وضمانات) جنوبية الهوى!! حتى يأخذ في المقابل من (لجنة الستة عشر) مجتمعة: تفويضاً بتشكيل (لجنة) باختياره ورئاسته، ومفوضة من هيئة مؤتمر الحوار الوطني الشامل.. للبت في عدد أقاليم الدولة الجديدة بين خياري: الخمس مقاطعات أو المقاطعتان.. وما بينهما، مع إقرار ما يرتئيه دون الرجوع إلى لجنة (الستة عشر) أو (لجنة القضية الجنوبية)، وهو ما حمل السياسي اليمني الأستاذ ياسين نعمان.. على اتهام فعلة (الرئيس) بأنها تعزيز لديكتاتورية الفرد!! بينما يمكن قراءة ما أقدم عليه الرئيس عبد ربه.. بأنه كان استنساخاً يمنياً لـ (سياسة الخطوة خطوة) التي اشتهر بها السياسي الأمريكي الأبرز (هنري كيسنجر)، فقد نزع من رؤوس الثمانية الجنوبيين (بداية).. فكرة (الانفصال) أو (تقرير المصير) أو حتى فكرة الدولة الاتحادية التي تقوم على (إقليمين) شمالي وجنوبي التي كانوا يصرون عليها.. حتى آخر لحظة، ثم دفعهم (نهاية) إلى إقرار لجنة برئاسته وتفويض من جمعية المؤتمر بترجيح خيارات أعداد الأقاليم واعتماده.. دون النكوص عنه، وهو إنجاز سياسي بارع.. أحسب أنه أعانه عليه الدبلوماسي الأممي الأستاذ جمال بن عمر والأذكياء من داخل أعضاء لجنة الستة عشر وخارجها، ومع ذلك فإن توقيع (الجنوبيين) في اللجنة على وثيقة (الحلول والضمانات) المنحازة للجنوبيين بـ (حراكهم) و(مشتركهم).. ما كان ليتم من قبلهم لولا صفقة الخمسة والعشرين مليون دولار، التي أمر الرئيس عبد ربه برفع التحفظ عنها.. وتسليمها لأمانة (الحزب ااشتراكي).. كما يعلم أو لا يعلم الكثيرون ممن تابعوا تفاصيل ما جرى في لجنتي (الستة عشر) و(ماهية الدولة).. التي (مططت) انسحابات الجنوبيين واعتصاماتهم فيها من عمر مؤتمر الحوار الوطني الشامل ليبلغ شهره (التاسع)، ولا ينتهي في شهره السادس (سبتمبر).. كما كان مقدراً ومقرراً، ليكون «مولود» وثيقة (الحلول والضمانات) في ليل الثالث والعشرين من ديسمبر الجاري.. وكأنه مولود كامل النمو وليس (خديجاً) وُلِد قبل اكتمال نموه في الشهر السادس.. كما يقول علماء (الأجنة)!!

* * *

لقد كان الرئيس عبد ربه.. على حق في كل ما قام به من مناورات أو مغامرات بلغت حد المقامرة.. ليصل إلى توقيع (وثيقة الحلول والضمانات)، التي ستحفظ لـ(اليمن) وحدة شعبه، وسلامة كيانه بعد أن ربط ذلك بـ (قراره) وكلمته وحدها دون الانفصاليين من (حراك الجنوب) و(اللقاء المشترك)، الذين لم يكن لهم همّ منذ البداية.. غير الحكم والمناصب والأراضي والثروات..؟! فلم ينس الرئيس أنه استلم بعد انتخابه التوافقي في الواحد والعشرين من شهر فبراير 2012م.. وطناً يمنياً كبيراً موحداً: يمشي السائر فيه من (الحديدة) إلى (حضرموت) ومن (المخا) إلى (شبوة) ومن (حرض) إلى (عدن).. فلا يسأله أحد عن (جواز سفره) أو (تأشيرة دخوله)، وكان منتهى أمانيه - وكما قال في خطابه الافتتاحي بعد التنصيب - أن يسلمه للرئيس اليمني الجديد الذي سيجري انتخابه في فبراير القادم وفق أجندة المبادرة الخليجية المزمنة.. و(الوطن اليمني) الكبير على صورته، ولكن بعد تخليصه من سلبيات الماضي ومحسوبيات حزبيه (المؤتمر) و(الإصلاح)، وإطالته التي امتدت لثلاثين عاماً.. فأنست اليمنيين إنجازاته الكثيرة والكبيرة، وأشعلت الرغبة في التغيير جموع الشباب والعاطلين والمُحَرضين.. التي استقت إلهامها من ربيعي الحرية في كل من (تونس) و(مصر) في شهري يناير وفبراير على التوالي من عام 2011م، وقد قال الكثير في خطبه خلال الاثنين والعشرين شهراً الماضية من حكمه.. وهو يدعو اليمنيين وحكمتهم إلى طي صفحات الماضي بخيرها وشرها، والتشبث بـ (وحدتهم)، وانتهاز فرصة المبادرة الخليجية التي التف حولها مجلسا: الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.. تأييداً سياسياً ودعماً اقتصادياً.. لإعادة بناء دولة اليمن الجديد.. دولة الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة والحكم الرشيد، وهو يرسل - في ذات اللحظة - بالكثير من الرسائل المباشرة وغير المباشرة.. عن دولة الوحدة الفيدرالية الجديدة البديلة من أقاليم الوطن، وليس من إقليمين من أقاليمه: (شمالي وجنوبي).. وكان آخر ما قاله وترجمه على أرض الواقع في هذا الشأن: تحويل مديرية (سقطرى) التابعة لمحافظة (حضرموت).. إلى (محافظة) جديدة.. تنضم إلى محافظات اليمن.. الثلاث والعشرين.

ثم فعل الكثير.. أولاً: عبر لجنة إعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن.. بإرجاع المبعدين إلى وظائفهم وتعويضهم، واعتبار سنوات إبعادهم لأسباب حزبية أو فئوية أو مذهبية كأن لم تكن، ليسترد كلُّ منهم رتبته التي تفرضها سنوات خدمته، وثانياً عبر (اللجان القضائية) في الجنوب.. للفصل في مظالم الاستيلاء على أراضي الآخرين دون وجه حق وإعادتها لأصحابها، وهما (القراران) الشجاعان اللذان أثارا إعجاب الداخل والخارج بـ (الرئيس) وإنجازاته، وقدما صورة ناصعة البياض لما يمكن أن تكون عليه دولة الفيدرالية اليمنية الجديدة.. حيث الحق فوق القوة والعدل فوق الجميع.

ليكون.. آخر ما فعله في سبيل قيام الدولة الاتحادية الفيدرالية القادمة هو إنجاز (وثيقة الحلول والضمانات) للقضية الجنوبية، والمرتبطة بـ(الدستور) الجديد عند صياغته من مخرجات لجان المؤتمر التسع، والتي لم يتم فهم أسبابها ودوافعها السياسية على نحو استشرافي دقيق، فكان أن رفضتها كبرى الأحزاب المكونة لـ(لجنة الستة عشر): المؤتمر والاشتراكي والناصري الوحدوي..؟!

* * *

فإذا كانت أسباب رفض حزب (المؤتمر) لها.. وهو الشريك الأكبر في (الوحدة الاندماجية) التي تم الإعلان عنها في الثاني والعشرين من مايو من عام 1990، والمنتصر في الدفاع عنها عام 1994م أمام انفصالية الحزب الاشتراكي الموضوعية في أقلها، وغير الموضوعية في أكثرها.. مبررة منذ السطور الأولى في ديباجة هذه (الوثيقة) وهي تشير إلى قيام دولة اتحادية جديدة: (تمثل قطيعة كاملة مع تاريخ الصراعات والاضطهاد وإساءة استخدام السلطة والتحكم في الثروة).. دولة اتحادية جديدة تعترف اعترافاً كاملاً بـ (الأخطاء المؤلمة والمظالم التي ارتُكبت في الجنوب).. دولة اتحادية جديدة (تتجاوز جميع مظالم الماضي وتحقق المصالحة الوطنية).. فإن المعنيَّ بكل هذه الاتهامات الصريحة والمبطنة الواردة في هذه الديباجة هو (حزب المؤتمر)، ولذلك فقد كان رفضه مبرراً.. ولكن ليس إلى حد اتهام أحد أكبر رموزه (الدكتور عبدالكريم الإيرياني) أمين عام مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل.. بـ(انتحال) ما ليس له، وأنه كان يمثل نفسه وليس (حزب المؤتمر) عندما وقع على (الوثيقة)!؟ على أن الوحدويين في داخل اليمن وخارجه.. كانوا ومازالوا يتمنون لو أن (حزب المؤتمر) - وهو أصيل في إيمانه باليمن الواحد وصاحب تضحيات جسام في سبيله.. كأحرار الجنوب وعقلائهم - ارتفع على (خدوش) الوثيقة أو حتى جراحها، ونظر إلى (أهداف) الوثيقة التي اشترت (الحاضر) وإن كان بأفدح الأثمان.. ولكنه كان من أجل (المستقبل). من أجل استمرار الوحدة.. وإن لبست ثوباً جديداً اسمه: دولة اليمن الاتحادية الفيدرالية، والتي ستتكون من ستة أقاليم أو أكثر.. وكما أوحت وتوحي (مقدماتها) التي ألمح إليها الرئيس عبد ربه منصور هادي.. مراراً وتكراراً، وليس من (إقليمين).. يهيئان أو يمهدان لـ (انفصال) قادم جديد..!

أما الوحدويون الناصريون.. فقد كان رفضهم يمثل الـ(يوتوبيا) العربية السياسية، التي آمنت بدافع تجربتها القومية الوحدوية السابقة.. بأن الوحدة تشكل جزءاً من جينات القومية العربية التي هزمها الاستعمار وأعوانه، ومزق أوصالها (سايكس/ بيكو) من قبل، والمبادئ البريطانية السائدة من بعد.. التي لخصها أصدق تلخيص: مبدأ (فرّق تسد).. البريطاني الشهير.

ولكن العجيب.. حقاً هو رفض الحزب الاشتراكي بداية وتوقيعه نهاية، الذي إن أحسنّا قراءته.. فإنه ليس بأكثر من إطلاق آخر صيحة انفصالية من جوفه لن يسمعها أحد..!!

فامض.. يا فخامة الرئيس.. ومرحباً بـ(دولة اليمن الاتحادية الفيدرالية) بأقاليمها الستة أو السبعة.

مقالات أخرى للكاتب