Tuesday 31/12/2013 Issue 15069 الثلاثاء 28 صفر 1435 العدد
31-12-2013

من تداعيات ضياع ٍ ما !

ليس أكثر من الأشجار المنعزلة عن محيطها، والرمال الكثيرة التي ترى أثر السيارات التي سبق وأن وقعت في مصيدة هذه الرمال ولكنني اجتزتها لأن سيارتي من نوع قوي جدا، رغم أنني لا أحبها!، أنظر إليها بالكثير من الازدراء وأرى من عيوبها ما لا يراه غيري. وكنت أضع نصبَ عينيّ أن أخرج من هذه المتاهة قبل أن تغربَ الشمس.

فغروبها وأنا في مكان لا أعرف هو كارثة ستقف على رأس كوارثي الشخصية! ولكنني لا أشعر بالخوف الذي يعتري الإنسان حينما يحسّ أنه افتقد البوصلة.

وكان الشعور بالضياع وما يرافقه من أحاسيس ذُهانية كأن يطرأ عليك منظرك وأنت تقتعد الاسمنت لدى مركز يعنيه أن يوصلك ولكنّ ما يعنيه أكثر هو هل أنت طبيعي أم لا؟!، لأن معاناتك وما دار في ذهنك والحلول التي اقترحتها والنهايات التي تصورتها كلها في كفة وكونك غير طبيعي (وهي الصفة التي تعارف عليها المجتمع على أنها تعني كونك تعاطيت شيئا مممنوعا!!) في كفة تبدو هي الأهم والأكثر إلحاحا في ذهنية الذين يعتبرون أنفسهم حرّاسا للفضيلة، ومن أبرز طباعهم ذلك الطبع التافه الذي يجعل همه هو العثور على ما يدينك ويؤكد أنك (غير طبيعي)، لكنني واصلت السير تسلمني رمال إلى رمال تنتهي بجبال زاد الليل من سوادها وارتفاعها ولا نهائيتها.

وفي لحظة صغيرة تذكرت طفولة ممعنة في الماضي ولكنها لم تزل تحمل معها جاذبيتها ورائحة أشجار الطماطم والشمس العريضة والاحاسيس التي يجلبها شعورك بأن هذه الطفولة هي ساحرة. وأنها ستظل كذلك ولكن بأن تعتبرها ذكرى جميلة وألا تعتبرها هي القضية التي تشغل روحك وتستهلك دنياك بدون أن تستمتع يوما بيوم منقطع العلاقة مع ما قبله أو ما بعده!.

إن صعوبة الكلام عن ذلك ينبع ليس من كونه شبيهاً بالأسلحة الكيماوية ولكنه ينبع من أنك ستقدم اعترافا ضدّ نفسك.

و هو اعتراف يعطي أفضل الذرائع لكي يهاجم ما يتيسر من سيرتك.

و كلما ازداد عدد الذين يعتبرونك واحداً من مكدّري الصفاء الاجتماعي زادت الحروب اللا مرئية التي طالما عجزت عن إقناع أحد بوجودها، لأن الآخرين ينتظرون ما يسمّونه (وثائق!) فأنت ورغم أن الله منحك حرية التصرف في جدولك، إلا أن هؤلاء الآخرين يمارسون دور الذي يتابعك كي يجيب نفسه عن سؤال وضعه هو (هل أنت تمارس الكراهية ضدّ كل الآخرين؟ وهل كل الصمت الذي تحيط به نفسك هو صمت بريء؟ أم أنها إحدى ألاعيبك؟) وفي زمن جاء متأخرا وليس يملك المبررات لمجيئه صار الناس غرباء فيه عن ذواتهم وجاء زمن صار الناس لا يهتمون بما تسميه (الخذلان)!.

هنالك في (الأدبيات) المجتمعية ما يؤيد عزل الثقافة والمثقفين عن الحراك الاجتماعي، باعتبار أن التقارب الثقافي هو أشدّ خطورة من الحسم العسكري؛ لأن الخيار العسكري دوما في الرؤية الإنسانية هو من قبيل الهدم وتكريس مسألة الحرب كحلّ أفضل من الحلول التي تتطلب الكثير من الجهود التي قد يصطدم بعضها مع شروط معيّنة يضعها طرف ما أو أكثر.

ولذا فإن اليأس الذي يتضح في كتاباتنا التي تميل إلى نوع من التواضع والنسيان للأخطاء التي سبق أن تلقّاها طرف من الآخر.

ونحن نرى أن الحلّ الثقافي هو الأكثر ملاءمة من أيّ حلول أخرى!. فالإنسان ومنذ خلقه الله هو كائن يستفيد من حركة المجتمع والتاريخ ويسعى للتزوّد من المعرفة التي تشكل أهم الأسلحة الواجب أن يكون ضمن زوّادة المحارب.

فلا يمكننا تصوّر اندلاع حرب كبيرة لمجرد النظرية أو مجرد مسايرة اللغة التي تفترض وجود فهم متمكن وخلاق للسلام ومناقض للعدوان.

ويرى أن العنف هو أسوأ الحلول الممكن القيام بها.

وهنالك في سيرورة المجتمعات ما هو مرتبط أساسا بأن يكون السلام ولغة التفاهم واعتبار الحوار ليس مجرد شكل من التمثيل والخداع للذاكرة الإنسانية، بل هو أهم خطوة يمكن منها البدء ببناء جسور الثقة وتشييد العلاقات الإنسانية، على الرغم من رؤية البعض للأخلاقيات التي يعتبرها الجميع ليست موضع جدال ولكن آخرين لا يرون بأسا في خرقها وتخطيها عند الضرورة.

وهذا القياس ليس معيارا حقيقيا لمدى أهمية العمل ضمن أخلاقيات معينة ولكنه على الأقل يمنح الجميع شيئا من طمأنينة القرب من الوصول إلى حلّ يكون أقرب إلى القبول، إذْ ينطوي على اعطاء كل ذي حق حقه دون (تطفيف) في الميزان، ويحرص على أن يتفرق المتصارعون في المكان المعيّن. ويتفرغ الجميع لبناء وطنهم ومحاربة الجهل والجوع والمرض.

وأتذكر بمرارة تليق بقدوم مساء مغرق في الغموض قول - سعدي يوسف - (...مضى زمنٌ كانت الأرض فيه ِ تدور على نفسها، أتى زمن الشعراء الذين إذا دارت الأرضُ ماتوا، أو اجترحوا الرفض كي يوقفوها، مضى زمنٌ كانت المدن العربية فيه ثغورا أتى زمن المدن المصرفية)!

hjarallah@yahoo.com - alhomaidjarallah@gmail.com

حائل

مقالات أخرى للكاتب