Wednesday 01/01/2014 Issue 15070 الاربعاء 29 صفر 1435 العدد
01-01-2014

حوار مع ابني حول الوطن ... وقضايا أخرى

أقول (لو) أن المتحاورين دوماً ينشدون الحقيقة، ويأملون الإصلاح لرأينا مجتمعات متحابة متسامحة، منتجة غير مختلفة.

ولو أن كل مُتسائل كان ينشد الحق لبزغ نور الحقيقة بين عينيه عندما يصيب من اختلف معه أو خالفه الرأي.

للوطن حقه على أهله، ولأهله عليه حق بل حقوق، ننشد الخير لأنفسنا وأهلنا في الوطن، وندين بالولاء المقيد لولاة الأمر بنص الكتاب، نذب عن أعراضهم، كما نذب عن أعراض والدينا وأهلينا، لا نتورع في الغضب من كل كائن من كان ينال من وحدة هذا الوطن، ومن أعراض ولاة أمره، كل ذلك ديانة لا غير.

الوطن يقوى بشبابه ويضعف بفقدهم الروحي أكثر من الجسدي، وفي اعتقادي بل هو يقين بأن مسؤولية الوالدين والمعلمين والمعلمات في هذا الموضوع أساسية بل هي من أعظم المسؤوليات التي يجب على الوالدين قبل غيرهم ترسيخ مبادئها الجميلة في نفوس أولادهم.

مقدمة حتمية أردت بها الدخول إلى حواري مع أحد أبنائي حول قضايا ذات بعد ديني وسياسي خطيركان باعثها مقالة لي نُشرت في هذا المكان حول الجماعات القتالية أو الجهادية، وكذلك الأحزاب والتحزب، لم يكن ابني يملك رؤية خاصة به وإنما كان يحاورني نتيجة هجمة من البعض على والده لما وصف بعض هؤلاء المقاتلين بأنهم يُعدون خطراً على الأمة وشبابها وأوطانها، قلت له: إن الكثير يحكم على الآخرين بعاطفته لا بعقله وتحليله، ولذا فإن من يتعاطف مع من يرفع راية الجهاد هو في الحقيقة نتيجة تدين جميل لكنه غير قارئ حصيف لهذه الجماعات، ولا لهذه الشعارات ، فليس كل من كبر صادق في تكبيره، ولا كل من صلى مقبولة صلاته، وهذه حقيقة قررها العلماء منذ القديم ولا لوالدك فضل إلا في تقييدها هنا.

قال لي: يا أبي هل معقول كل هؤلاء على باطل وأنت على حق؟ قلت له: الم تقرأ قول الحق تبارك تعالى:{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} هذا في قضية كبرى وهي قضية الإيمان فما بالك بالقضايا المختلف عليها والقابلة للتأويل!

قال: إن شخصاً تعرفه لكنني لن أذكر لك من هو طلب مني أن أنقل لك عتبه على ما كتبت حيث نلت من المجاهدين، قلت له: قل له أهلاً وسهلاً به يناقشني وأناقشه فمن كان معه الحق يُتبع، فالقضية يا ابني ليست قضية جهاد، فالجهاد لا خلاف عليه ومن مات ولم تحدثه نفسه بالجهاد مات على شعبة من النفاق، لكن المسألة في الفكر الذي ينتهجه بعضهم ممن سلكوا مسلك الجهاد ظاهرياً وهم في الحقيقة انزلقوا مزالق خطيرة تكفيرية وتصنيفية مهلكة.

قلت له: هل تعتقد أن ولاة أمر هذه البلاد كفار ؟ قال: أعوذ بالله. قلت: بعض هؤلاء قالوا عنهم ذلك، فماذا تريد مني أن أقول عنهم ؟ بل قالوا عن علماء كُثر بأنهم منافقون ومنتفعون وعلماء سلطان! أما لماذا، فلأنهم لم يؤيدوا تكفيرهم وتفسيقهم لقادة الأمة!

يا بني: إن الكثرة لم تكن يوماً مقياساً للحق، (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) لاحظ نص الآية (أكثر) ولم يقل (بعض) فهل الكثرة معيار لسلامة التوجه؟ لا وربي. فمحمد- صلى الله عليه وسلم- كان هو وصحبه في مكة قلة، ومع ذلك كانوا على الحق، وقبله موسى وعيسى وقبلهم إبراهيم عليهم جميعاً صلاة ربي وسلامه، بل كل الأنبياء كانوا وقومهم المتبعون لهم قلة، وكانوا على الحق.

يا بني: لو نظرت لمن حولك ممن اسطلوا بنار الفتن لوجدت أن غالبيتهم كانوا يبحثون عن العزة والكرامة، فأخطأوا طريقها وسلكوا فجاجا حسبوا أنها موصلة إلى بر الأمان فإذا هي حفر من النار أهلكت حرثهم ونسلهم ومزقت صفهم.

يا بني: إن الحق كما يقال أبلج ولكن بعض القلوب ران عليها الهوى وأعمت بصيرتهم الأطماع، وانساقوا وراء من اعتقدوا أنهم علماء وهم في الحقيقة ضلال مضلون.

يا بني: إياك ثم إياك أن تغتر بالكثرة، وإياك ثم إياك أن ترى أن الجمع دوماً منتصر، ابحث عن الحق كما تبحث عن العلاج، فما أخطر مرض القلوب، وما أعيا انحراف العقول، لا تكن أحمق فـ (الحماقة أعيت من يداويها) وأن من أشد أنواع الحماقات الانسياق دون علم ولا دليل موثوق خلف كل من تلبس بلباس الدين.

يا بني: النص الشرعي لا يمكن أن يفسر حسب الهوى، كما لا يمكن أن يفسره قليل علم أو مختل العقيدة، وطنكم وطن العقيدة الصافية فليكن علماء هذا الوطن الربانيين مرجعكم لا أصحاب الهوى.

حفظكم الله ذخراً لبلاد منها شع نور الهداية فعم أنحاء الأرض، وحفظكم دعاة خير تنشرون الفضيلة وتحاربون الرذيلة، لتبقى هذه البلاد كما هي منارة خير وهداية.

والله المستعان..

almajd858@hotmail.com

تويتر: @almajed118

مقالات أخرى للكاتب