Friday 03/01/2014 Issue 15072 الجمعة 02 ربيع الأول 1435 العدد
03-01-2014

أول امرأة تحكم الصين (2)

لعلنا نستكمل ما سبق أن كتبناه في المقال السابق عن أول وآخر إمبراطورة حكمت الصين واسمها «ووتسه تيان». وفي هذا المقال ستظهر صورتها القاسية في تعاملها مع الخصوم والتي طالت أبناءها ومن حولها من رجال الحكم، ولكن تلك القسوة والحرص على حكم البلاد لم يمنعاها من أن تكون امرأة ذات إنجاز في مجال البناء والعمران المادي وكذلك البناء الثقافي بتبني البوذية بدلاً من الكونفوشيسية ونشر المعابد في كل مكان. وقد يكون تحقير الكونفوشيسية للمرأة سبباً في سعيها إلى نشر البوذية. وإليكم قصتها كما أوردتها سجلاتهم.

في عام 655 ميلادية، وكان عمرها 31 سنة، أعلن الإمبراطور زواجه منها، وتعيينها إمبراطورة، بعد أن كانت محظية، وبدأت أولى مهامها بالعمل على قتل الإمبراطورة السابقة «وانغ» إضافة إلى إحدى المحظيات التي كانت تنافسها قبل وصولها إلى سويداء قلب الإمبراطور، والتحكم في وجدانه وأفعاله، وبعد أن تخلصت من منافستيها بطرقها الخاصة التي استخدمت فيها شتى الحيل، تفرغت للعمل بجانب الإمبراطور، وأصبحت لها كلمة الفصل في شؤون البلاد، بفضل حنكتها، ودرايتها، وقدراتها الفذة، وكانت قاسية مع معارضيها، وكثيرا ما تتخلص منهم بالقتل، وفي هذه الفترة أنجبت ولدين آخرين للإمبراطور، فأصبح لديها أربعة أولاد أحياء، وبنت قد وأدتها. وأصيب الإمبراطور بجلطة بعد مرور خمس سنوات من زواجهما أي عام 660 ميلادية، فقربت أفراد عائلتها إليها، وولتهم المناصب الحساسة في الدولة، كما أنها بثت الأعين في كل مكان للحفاظ على سلطتها المطلقة، وفي عام 683 مات الإمبراطور «قاو تسونغ» وبعد موته تولى ابنها الأكبر شؤون الإمبراطورية، والذي أنجبته عندما كانت محظية، وكانت تعرف شخصيته القوية، وطموح زوجته، مما قد يحد من سلطاتها التي كانت تتمتع بها فترة طويلة من الزمن أثناء حكم والده الإمبراطور «تاي تسونغ»، ولهذا فقد أخذت تبحث عن حيلة للتخلص منه ومن زوجته، فدست السم في شراب ابنها الإمبراطور ومات على الفور، واختارت ابنها الثاني لتولي شؤون الدولة، لكنها رأت فيه شيئا من التمرد على توجيهاتها بإيحاء من زوجته، فخلعته، ثم أرسلت من يقتله فيما بعد. واختارت ابنها الأصغر «شنغ صنغ» لتولي مقاليد الإمبراطورية، وكان ضعيف الشخصية، قليل الخبرة، غير راغب في تحمل مسؤولية شؤون الدولة، وبعد توليه السلطة، ونظراً لضعف شخصيته، فقد حاولت زوجته «وي» أن تعمل ما عملته الأم، فأخذت بالتدخل في شؤون الدولة، لكن أنى لها هذا أمام هذه المرأة الحديدية الذكية الفاعلة، فبعد شهر فقط من توليه الحكم خلعت ابنها الأصغر عن عرش الإمبراطورية، وولت مكانه ابنها الأوسط، «جو صنغ» الذي استمر يحكم اسميا، بينما كانت السلطة المطلقة في يدها، وبعد سبع سنوات وفي عام 690 ميلادية، خلعت ابنها، ونصبت نفسها إمبراطورة على الصين، لتصبح أول وآخر إمبراطورة تحكم الصين حتى عصرنا هذا، معارضة بذلك التعاليم الكنفوشيسية التي تحتقر قدرات المرأة، ولا تعطيها الحق في تولي المناصب القيادية، وعاشت الثماني سنوات الألى من حكمها كإمبراطورة في عمل المزيد من البناء، وتشجيع الزراعة والعلوم، وقد حققت الكثير لأبناء شعبها، وفي العام 698 كانت قد تقدمت في السن، ولم يعد لها رغبة في إدارة حكم البلاد بنفس الرغبة الجامحة السابقة، وعينت ابنها «لي زيان» ولياً للعهد وهو الذي سبق أن أبعدته من قبل ونصبت أخاه بدلاً عنه خشية منه، وكرست جهدها لخدمة الفقراء، وعمل الخير، كما شجعت على انتشار البوذية في الصين، وأكثرت من بناء المعابد البوذية، وفي عام 705 قام الوزراء والقادة بانقلاب عليها، ويقال إن ذلك قد تم بمساعدة إخوان الإمبراطورة السابقة «وانغ»، ونصبوا أحد أفراد الأسرة إمبراطورا على البلاد، وماتت في نفس العام الذي أبعدت فيه عن عمر يناهز 83 عاماً، حافلة بالعطاء لشعبها، والدسائس لاغتصاب السلطة، والقسوة ضد منافسيها. وقد كتبت حولها الكتب، ونسج البعض خيالهم حولها، كما أخرجت الأفلام التي تجسد صورة حياتها وقدراتها التي جعلت فترة حكمها عصرا ذهبيا في تاريخ هذه الأسرة، وستبقى امرأة فريدة سطرت اسمها في سجلات التاريخ الصيني القديم الذي تناقلته الأجيال، وفي عصرها وصل كثير من الوفود الإسلامية إليها، فأكرمت وفادتهم.

مقالات أخرى للكاتب